الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } * { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } * { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } * { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } * { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } * { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ } * { وَهُوَ يَخْشَىٰ } * { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } * { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } * { مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ } * { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } * { كِرَامٍ بَرَرَةٍ } * { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } * { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } * { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } * { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } * { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } * { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } * { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } * { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } * { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } * { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } * { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } * { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } * { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } * { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } * { وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } * { وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } * { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ } * { ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } * { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ }

قوله { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } أي كلح بوجهه وأعرض. وقرىء " عبس " بالتشديد. { أَن جَاءهُ ٱلأَعْمَىٰ } مفعول لأجله، أي لأن جاءه الأعمى، والعامل فيه إما { عبس } ، أو { تولى } على الاختلاف بين البصريين والكوفيين في التنازع هل المختار إعمال الأوّل أو الثاني؟ وقد أجمع المفسرون على أن سبب نزول الآية أن قوماً من أشراف قريش كانوا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبد الله بن أمّ مكتوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه ابن أمّ مكتوم كلامه، فأعرض عنه فنزلت، وسيأتي في آخر البحث بيان هذا إن شاء الله. { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } التفت سبحانه إلى خطاب نبيه صلى الله عليه وسلم لأن المشافهة أدخل في العتاب أي أيّ شيء يجعلك دارياً بحاله حتى تعرض عنه، وجملة { لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } مستأنفة لبيان أن له شأناً ينافي الإعراض عنه أي لعله يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح بسبب ما يتعلمه منك، فالضمير في { لعله } راجع إلى { الأعمى } ، وقيل هو راجع إلى الكافر أي وما يدريك أن ما طمعت فيه ممن اشتغلت بالكلام معه عن الأعمى أنه يزكى، أو يذكر، والأوّل أولى. وكلمة الترجي باعتبار من وجه إليه الخطاب للتنبيه على أن الإعراض عنه مع كونه مرجوّ التزكي مما لا يجوز. قرأ الجمهور { أن جاءه الأعمى } على الخبر بدون استفهام، ووجهه ما تقدّم. وقرأ الحسن " آن جاءه " بالمدّ على الاستفهام، فهو على هذه القراءة متعلق بفعل محذوف دلّ عليه { عبس } و { تولى } ، والتقدير أن جاءه الأعمى تولى وأعرض، ومثل هذه الآية قوله في سورة الأنعاموَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ } الأنعام 52 وكذلك قوله في سورة الكهفوَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } الكهف 28 وقوله { أَوْ يَذَّكَّرُ } عطف على { يزكى } داخل معه في حكم الترجي أي أو يتذكر، فيتعظ بما تعلمه من المواعظ { فَتَنفَعَهُ ٱلذّكْرَىٰ } أي الموعظة. قرأ الجمهور { فتنفعه } بالرفع، وقرأ عاصم وابن أبي إسحاق، وعيسى، والسلمي، وزرّ بن حبيش بالنصب على جواب الترجي { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } أي كان ذا ثروة وغنى، أو استغنى عن الإيمان، وعما عندك من العلم { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } أي تصغي لكلامه، والتصدّي الإصغاء. قرأ الجمهور { تصدّى } بالتخفيف على طرح إحدى التاءين تخفيفاً، وقرأ نافع، وابن محيصن بالتشديد على الإدغام، وفي هذا مزيد تنفير له صلى الله عليه وسلم عن الإقبال عليهم، والإصغاء إلى كلامهم. { وَمَا عَلَيْكَ أَن لا يَزَّكَّىٰ } أي أيّ شيء عليك في أن لا يسلم، ولا يهتدي، فإنه ليس عليك إلاّ البلاغ، فلا تهتم بأمر من كان هكذا من الكفار، ويجوز أن تكون " ما " نافية، أي ليس عليك بأس في أن لا يتزكى من تصدّيت له، وأقبلت عليه، وتكون الجملة في محل نصب على الحال من ضمير تصدّى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8