الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ } الظرف متعلق بمحذوف، أي واذكروا وقت استغاثتكم. وقيل بدل منوَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ } الأنفال 7 معمول لعامله. وقيل متعلق بقولهلِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ } الأنفال 8 والاستغاثة طلب الغوث. يقال استغاثني فلان فأغثته، والاسم الغياث. والمعنى أن المسلمين لما علموا أنه لا بدّ من قتال الطائفة ذات الشوكة، وهم النفير كما أمرهم الله بذلك، وأراده منهم، ورأوا كثرة عدد النفير، وقلة عددهم، استغاثوا بالله سبحانه. وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عدد المشركين يوم بدر ألف، وعدد المسلمين ثلثمائة وسبعة عشر رجلاً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ذلك استقبل القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " الحديث { فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } عطف على { تستغيثون } داخل معه في التذكير، وهو وإن كان مستقبلاً فهو بمعنى الماضي، ولهذا عطف عليه استجاب. قوله { أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ } أي بأني ممدكم، فحذف حرف الجرّ وأوصل الفعل إلى المفعول، وقرىء بكسر الهمزة على إرادة القول، أو على أن في { استجاب } معنى القول. قوله { مُرْدِفِينَ } قرأ نافع بفتح الدال اسم مفعول، وقرأ الباقون بكسرها اسم فاعل وانتصابه على الحال. والمعنى على القراءة الأولى أنه جعل بعضهم تابعاً لبعض. وعلى القراءة الثانية أنهم جعلوا بعضهم تابعاً لبعض وقيل إن { مردفين } على القراءتين نعت لألف. وقيل إنه على القراءة الأولى، حال من الضمير المنصوب في { ممدكم } أي ممددكم في حال إردافكم بألف من الملائكة. وقد قيل إن ردف وأردف بمعنى واحد. وأنكره أبو عبيدة قال لقوله تعالىتَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } النازعات 7 ولم يقل المردفة. قال سيبويه وفي الآية قراءة ثالثة وهي «مردّفين» بضم الراء وكسر الدال مشدّدة. وقراءة رابعة بفتح الراء وتشديد الدال. وقرأ جعفر بن محمد، وعاصم الجحدري «بآلاف» جمع ألف، وهو الموافق لما تقدّم في آل عمران. والضمير في { وما جعله الله } راجع إلى الإمداد المدلول عليه بقوله { أَنِّي مُمِدُّكُمْ } { إِلاَّ بُشْرَىٰ } أي إلا بشارة لكم بنصره، وهو استثناء مفرّغ، أي ما جعل إمدادكم لشيء من الأشياء إلا للبشرى لكم بالنصر. { وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ } أي بالإمداد قلوبكم. وفي هذا إشعار بأن الملائكة لم يقاتلوا، بل أمدّ الله المسلمين بهم للبشرى لهم، وتطمين قلوبهم وتثبيتها. واللام في { لتطمئن } متعلقة بفعل محذوف يقدر متأخراً، أي ولتطمئن قلوبكم فعل ذلك لا لشيء آخر. { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } لا من عند غيره، ليس للملائكة في ذلك أثر، فهو الناصر على الحقيقة، وليسوا إلا سبباً من أسباب النصر التي سببها الله لكم، وأمدكم بها.

السابقالتالي
2