الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } * { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

ختم الله سبحانه هذه السورة بذكر الموالاة ليعلم كل فريق وليه الذي يستعين به، وسمى سبحانه المهاجرين إلى المدينة بهذا الاسم، لأنهم هجروا أوطانهم وفارقوها طلباً لما عند الله، وإجابة لداعيه { وَٱلَّذِينَ ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ } هم الأنصار، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الموصول الأوّل والآخر، وهو مبتدأ وخبره الجملة المذكورة بعده، ويجوز أن يكون { بَعْضُهُمْ } بدلاً من اسم الإشارة، والخبر { أَوْلِيَاء بَعْضٍ } أي بعضهم أولياء بعض في النصرة والمعونة، وقيل المعنى إن بعضهم أولياء بعض في الميراث. وقد كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة، ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ }. قوله { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } مبتدأ، وخبره { مَا لَكُم مّن وَلـٰيَتِهِم مّن شَىْء }. قرأ يحيـى بن وثاب والأعمش، وحمزة { من ولايتهم } بكسر الواو. وقرأ الباقون بفتحها، أي ما لكم من نصرتهم وإعانتهم، أو من ميراثهم، ولو كانوا من قراباتكم لعدم وقوع الهجرة منهم { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } فيكون لهم ما كان للطائفة الأولى الجامعين بين الإيمان والهجرة { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ } أي هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا، إذا طلبوا منكم النصرة لهم على المشركين { فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } أي فواجب عليكم النصر { إِلا } أن يستنصروكم { عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مّيثَاقٌ } فلا تنصروهم ولا تنقضوا العهد الذي بينكم وبين أولئك القوم، حتى تنقضي مدته. قال الزجاج ويجوز فعليكم النصر بالنصب على الإغراء. قوله { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مبتدأ خبره { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } أي بعضهم ينصر بعضاً ويتولاه في أموره، أو يرثه إذا مات، وفيه تعريض للمسلمين بأنهم لا يناصرون الكفار ولا يتولونهم، قوله { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ } الضمير يرجع إلى ما أمروا به قبل هذا من موالاة المؤمنين ومناصرتهم على التفصيل المذكور، وترك موالاة الكافرين { تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى ٱلأَرْضِ } أي تقع فتنة إن لم تفعلوا ذلك { وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } أي مفسدة كبيرة في الدين والدنيا، ثم بيّن سبحانه حكماً آخر يتعلق بالمؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله والمؤمنين الذين آووا من هاجر إليهم ونصروهم وهم الأنصار، فقال { أُوْلـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } أي الكاملون في الإيمان، وليس في هذا تكرير لما قبله فإنه وارد في الثناء على هؤلاء، والأوّل وارد في إيجاب الموالاة والنصرة، ثم أخبر سبحانه أن { لَهُمْ } منه { مَغْفِرَةٍ } لذنوبهم في الآخرة و لهم في الدنيا { رّزْقٌ كَرِيمٌ } خالص عن الكدر طيب مستلذ. ثم أخبر سبحانه بأن من هاجر بعد هجرتهم وجاهد مع المهاجرين الأوّلين والأنصار فهو من جملتهم، أي من جملة المهاجرين الأوّلين والأنصار في استحقاق ما استحقوه من الموالاة والمناصرة، وكمال الإيمان والمغفرة والرزق الكريم، ثم بيّن سبحانه بأن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض من غيرهم ممن لم يكن بينه وبينهم رحم في الميراث، والمراد بهم القرابات فيتناول كل قرابة.

السابقالتالي
2 3