الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

اختلاف القراء في أسرى والأسارى هو هنا كما سبق في الآية قبل هذه. خاطب الله النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذا، أي قل لهؤلاء الأسرى الذين هم في أيديكم أسرتموهم يوم بدر وأخذتم منهم الفداء، { إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } من حسن إيمان، وصلاح نية، وخلوص طوية { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ } من الفداء أي يعوّضكم في هذه الدنيا رزقاً خيراً منه، وأنفع لكم، أو في الآخرة بما يكتبه لكم من المثوبة بالأعمال الصالحة { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ذنوبكم { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } شأنه المغفرة لعباده والرحمة لهم. ولما ذكر ما ذكره من العوض لمن علم في قلبه خيراً ذكر من هو على ضدّ ذلك منهم فقال { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ } بما قالوه لك بألسنتهم من أنهم قد آمنوا بك وصدّقوك، ولم يكن ذلك منهم عن عزيمة صحيحة ونية خالصة، بل هو مماكرة ومخادعة، فليس ذلك بمستبعد منهم، فإنهم قد فعلوا ما هو أعظم منه، وهو أنهم خانوا الله من قبل أن تظفر بهم، فكفروا به وقاتلوا رسوله { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } بأن نصرك عليهم في يوم بدر، فقتلت منهم من قتلت وأسرت من أسرت { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بما في ضمائرهم { حَكِيمٌ } في أفعاله بهم. وقد أخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في سننه، عن عائشة قالت لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص، وبعثت فيه بقلادة، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ رقة شديدة وقال " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها " ، وقال العباس إني كنت مسلماً يا رسول الله، قال " الله أعلم بإسلامك، فإن تكن كما تقول فالله يجزيك، فافد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب، وحليفك عتبة بن عمرو " ، قال ما ذاك عندي يا رسول الله، قال " فأين المال الذي دفنت أنت وأمّ الفضل؟ فقلت لها إن أصبت فهذا المال لبنيّ؟ " فقال والله يا رسول الله إن هذا لشيء ما علمه غيري وغيرها، فاحسب لي ما أصبتم مني عشرون أوقية من مال كان معي، قال " لا أفعل " ، ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه، ونزلت { قُل لّمَن فِى أَيْدِيكُم مّنَ ٱلأَسْرَىٰ } الآية، فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام، عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله. وأخرج ابن سعد، والحاكم وصححه، عن أبي موسى أن العلاء ابن الحضرمي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين ثمانين ألفاً، فما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مال أكثر منه، فنشره على حصير، وجاء الناس، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم، وما كان يومئذ عدد ولا وزن، فجاء العباس فقال يا رسول الله إني أعطيت فدائي، وفداء عقيل يوم بدر، أعطني من هذا المال، فقال

السابقالتالي
2