الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

هذا حكم آخر من أحكام الجهاد. ومعنى { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ } ما صح له وما استقام، وقرأ أبو عمرو، وسهيل ويعقوب، ويزيد، والمفضل، أن تكون بالفوقية، وقرأ الباقون بالتحتية، وقرأ أيضاً يزيد والمفضل «أسارى» وقرأ الباقون { أسرى } والأسرى جمع أسير، مثل قتلى وقتيل، وجرحى وجريح، ويقال في جمع أسير أيضاً أسارى بضم الهمزة وبفتحها، وهو مأخوذ من الأسر، وهو القيد، لأنهم كانوا يشدّون به الأسير، فسمي كل أخيذ وإن لم يشدّ بالقدّ أسيراً، قال الأعشى
وقيدني الشعر في بيته كما قيـدت الأسرات الحمارا   
وقال أبو عمرو بن العلاء الأسرى هم غير الموثقين عندما يؤخذون، والأسارى هم الموثقون ربطاً. والإثخان كثرة القتل والمبالغة فيه تقول العرب أثخن فلان في هذا الأمر، أي بالغ فيه. فالمعنى ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يبالغ في قتل الكافرين ويستكثر من ذلك. وقيل معنى الإثخان التمكن، وقيل هو القوّة. أخبر الله سبحانه أن قتل المشركين يوم بدر كان أولى من أسرهم، وفدائهم ثم لما كثر المسلمون رخص الله في ذلك فقالفَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } محمد 4 كما يأتي في سورة القتال إن شاء الله. قوله { تُرِيدُونَ عَرَضَ } الحياة { ٱلدُّنْيَا } أي نفعها ومتاعها بما قبضتم من الفداء، وسمي عرضاً لأنه سريع الزوال كما تزول الأعراض التي هي مقابل الجواهر { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } أي يريد لكم الدار الآخرة بما يحصل لكم من الثواب في الإثخان بالقتل. وقرىء «يريد الآخرة» بالجر على تقدير مضاف وهو المذكور قبله، أي والله يريد عرض الآخرة { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } لا يغالب { حَكِيمٌ } في كل أفعاله. قوله { لَّوْلاَ كِتَـٰبٌ مّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } اختلف المفسرون في هذا الكتاب الذي سبق ما هو؟ على أقوال الأوّل ما سبق في علم الله من أنه سيحلّ لهذه الأمة الغنائم بعد أن كانت محرّمة على سائر الأمم. والثاني أنه مغفرة الله لأهل بدر ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر، كما في الحديث الصحيح " إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " القول الثالث هو أنه لا يعذبهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم كما قال سبحانهوَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } الأنفال 33. القول الرابع أنه لا يعذب أحداً بذنب فعله جاهلاً لكونه ذنباً. القول الخامس أنه ما قضاه الله من محو الصغائر باجتناب الكبائر. القول السادس أنه لا يعذب أحداً إلا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهي، ولم يتقدّم نهي عن ذلك. وذهب ابن جرير الطبري إلى أن هذه المعاني كلها داخلة تحت اللفظ، وأنه يعمها { لَمَسَّكُمْ } أي لحلّ بكم { فِيمَا أَخَذْتُمْ } أي لأجل ما أخذتم من الفداء { عَذَابٌ عظِيمٌ } والفاء في { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ } لترتيب ما بعدها عن سبب محذوف، أي قد أبحت لكم الغنائم، فكلوا مما غنمتم ويجوز أن تكون عاطفة على مقدّر محذوف، أي اتركوا الفداء فكلوا مما غنمتم من غيره.

السابقالتالي
2 3 4