الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ } * { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ } * { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } * { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }

قوله { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابّ } أي شرّ ما يدب على وجه الأرض { عَندَ ٱللَّهِ } أي في حكمه { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي المصرّون على الكفر المتمادون في الضلال. ولهذا قال { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي إن هذا شأنهم لا يؤمنون أبداً، ولا يرجعون عن الغواية أصلاً، وجعلهم شرّ الدوابّ لا شرّ الناس إيماء إلى انسلاخهم عن الإنسانية، ودخولهم في جنس غير الناس من أنواع الحيوان لعدم تعقلهم لما فيه رشادهم. قوله { ٱلَّذِينَ عَـٰهَدْتَّ مِنْهُمْ } بدل من الذين كفروا أو عطف بيان أو في محل نصب على الذمّ. والمعنى أن هؤلاء الكافرين الذين همّ شرّ الدوابّ عند الله هم هؤلاء الذين عاهدت منهم، أي أخذت منهم عهدهم، ثُمَّ هم { يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ } الذي عاهدتهم { فِي كُلّ مَرَّةٍ } من مرّات المعاهدة، والحال أنـهُمْ { لا يَتَّقُونَ } النقض، ولا يخافون عاقبته ولا يتجنبون أسبابه. وقيل إن " مِنْ " في قوله { مِنْهُمْ } للتبعيض، ومفعول عاهدت محذوف، أي الذين عاهدتهم، وهم بعض أولئك الكفرة يعني الأشراف منهم، وعطف المستقبل وهو { ثم ينقضون } على الماضي، وهو { عاهدت } للدلالة على استمرار النقض منهم، وهؤلاء هم قريظة، عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يعينوا الكفار فلم يفوا بذلك كما سيأتي، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشدّة والغلظة عليهم، فقال { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى ٱلْحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } أي فإما تصادفنهم في ثقاف، وتلقاهم في حالة تقدر عليهم فيها، وتتمكن من غلبهم { فَشَرّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } أي ففرّق بقتلهم والتنكيل بهم من خلفهم من المحاربين لك من أهل الشرك حتى يهابوا جانبك، ويكفوا عن حربك مخافة أن ينزل بهم ما نزل بهؤلاء. والثقاف في أصل اللغة ما يشد به القناة أو نحوها، ومنه قول النابغة
تدعو قعيباً وقد غض الحديد بها غض الثقاف على ضمّ الأنابيب   
يقال ثقفته وجدته، وفلان ثقف سريع الوجود لما يحاوله، والتشريد التفريق مع الاضطراب. وقال أبو عبيدة { شرد بِهِمُ } سمع بهم. وقال الزجاج افعل بهم فعلاً من القتل تفرّق به من خلفهم، يقال شردت بني فلان قلعتهم عن مواضعهم وطردتهم عنها حتى فارقوها. قال الشاعر
أطوّف في الأباطح كل يوم مخافة أن يشردني حكيم   
ومنه شرد البعير إذا فارق صاحبه، وروي عن ابن مسعود أنه قرأ " فشرد بِهِم " بالذال المعجمة. قال قطرب التشريذ بالذال المعجمة هو التنكيل، وبالمهملة هو التفريق. وقال المهدوي الذال المعجمة لا وجه لها إلا أن تكون بدلاً من الدال المهملة لتقاربهما، قال ولا يعرف فشرّذ في اللغة، وقرىء " مّنْ خَلْفِهِمْ " بكسر الميم والفاء.

السابقالتالي
2 3 4