الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ }

قوله { وَلَوْ تَرَى } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له كما تقدّم تحقيقه في غير موضع. والمعنى ولو رأيت، لأن " لو " تقلب المضارع ماضياً، و " إِذْ " ظرف لترى، والمفعول محذوف، أي ولو ترى الكافرين وقت توفي الملائكة لهم. قيل أراد بالذين كفروا من لم يقتل يوم بدر. وقيل هي فيمن قتل ببدر وجواب " لو " محذوف تقديره لرأيت أمراً عظيماً. وجملة { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ } في محل نصب على الحال، والمراد بأدبارهم أستاههم، كنى عنها بالأدبار. وقيل ظهورهم. قيل هذا الضرب يكون عند الموت كما يفيده ذكر التوفي. وقيل هو يوم القيامة حين يسيرون بهم إلى النار. قوله { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } قاله الفراء، المعنى ويقولون ذوقوا عذاب الحريق، والجملة معطوفة على يضربون. وقيل إنه يقول لهم هذه المقالة خزنة جهنم، والذوق قد يكون محسوساً، وقد يوضع موضع الابتلاء والاختبار، وأصله من الذوق بالضم، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم من الضرب والعذاب والباء في { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } سببية، أي ذلك واقع بسبب ما كسبتم من المعاصي، واقترفتم من الذنوب. وجملة { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي والأمر أنه لا يظلمهم، ويجوز أن تكون معطوفة على الجملة الواقعة خبراً لقوله { ذٰلِكَ } وهي { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أي ذلك العذاب بسبب المعاصي، وبسبب { أَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } لأنه سبحانه قد أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وأوضح لهم السبيل، وهداهم النجدين كما قال سبحانهوَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } النحل 118. قوله { كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } لما ذكر الله سبحانه ما أنزله بأهل بدر أتبعه بما يدل على أن هذه سنته في فرق الكافرين. والدأب العادة، والكاف في محل الرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف، أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، والمعنى أنه جوزي هؤلاء كما جوزي أولئك، فكانت العادة في عذاب هؤلاء كالعادة الماضية لله في تعذيب طوائف الكفر، وجملة قوله { كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } مفسرة لدأب آل فرعون، أي دأبهم هذا هو أنهم كفروا بآيات الله، فتسبب عن كفرهم أخذ الله سبحانه لهم، والمراد بذنوبهم معاصيهم المترتبة على كفرهم، فيكون الباء في { بذنوبهم } للملابسة، أي فأخذهم متلبسين بذنوبهم غير تائبين عنها، وجملة { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } معترضة مقرّرة لمضمون ما قبلها. والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى العقاب الذي أنزله الله بهم، وهو مبتدأ وخبره ما بعده، والجملة جارية مجرى التعليل لما حلّ بهم من عذاب الله.

السابقالتالي
2