الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }

لما أمر الله سبحانه بالقتال بقولهوَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } الأنفال 38 وكانت المقاتلة مظنة حصول الغنيمة، ذكر حكم الغنيمة. والغنيمة قد قدّمنا أن أصلها إصابة الغنم من العدوّ، ثم استعملت في كل ما يصاب منهم، وقد تستعمل في كل ما ينال بسعي. ومنه قول الشاعر
وقد طوّفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب   
ومنه قول الآخر
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه أنى توجه والمحروم محروم   
وأما معنى الغنيمة في الشرع، فحكى القرطبي الاتفاق على أن المراد بقوله تعالى { وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء } مال الكفار إذا ظفر بهم المسلمون على وجه الغلبة والقهر. قال ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص، ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع. وقد ادّعى ابن عبد البر الإجماع على أن هذه الآية بعد قولهيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ } الأنفال 1 وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين، وأن قوله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنفَالِ } نزلت حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر على ما تقدّم أوّل السورة. وقيل إنها أعني قوله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنفَالِ } محكمة غير منسوخة، وأن الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست مقسومة بين الغانمين، وكذلك لمن بعده من الأئمة، حكاه الماوردي عن كثير من المالكية. قالوا وللإمام أن يخرجها عنهم، واحتجوا بفتح مكة وقصة حنين وكان أبو عبيدة يقول افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة ومنّ على أهلها فردّها عليهم ولم يقسمها ولم يجعلها فيئاً. وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين. وممن حكى ذلك ابن المنذر، وابن عبد البر، والداودي، والمازري، والقاضي عياض، وابن العربي، والأحاديث الواردة في قسمة الغنيمة بين الغانمين، وكيفيتها كثيرة جداً. قال القرطبي ولم يقل أحد فيما أعلم أن قوله تعالى { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأنفَالِ } الآية ناسخ لقوله { وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء } الآية، بل قال الجمهور إن قوله { وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء } ناسخ، وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا التبديل لكتاب الله. وأما قصة فتح مكة فلا حجة فيها لاختلاف العلماء في فتحها، قال وأما قصة حنين فقد عوّض الأنصار لما قالوا تعطى الغنائم قريشاً وتتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم نفسه، فقال لهم " أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم " كما في مسلم وغيره. وليس لغيره أن يقول هذا القول، بل ذلك خاص به. قوله { أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء } يشمل كل شيء يصدق عليه اسم الغنيمة. و { مِن شَىْء } بيان لـ " ما " الموصولة، وقد خصّص الإجماع من عموم الآية الأسارى، فإن الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7