الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }

قوله { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الظرف معمول لفعل محذوف، أي واذكر يا محمد وقت مكر الكافرين بك، أو معطوف على ما تقدّم من قوله { وَٱذْكُرُواْ } ذكر الله رسوله هذه النعمة العظمى التي أنعم بها عليه، وهي نجاته من مكر الكافرين وكيدهم كما سيأتي بيانه { لِيُثْبِتُوكَ } أي يثبتوك بالجراحات، كما قال ثعلب وأبو حاتم، وغيرهما، ومنه قول الشاعر
فقلت ويحكم ما في صحيفتكم قالوا الخليفة أمسى مثبتاً وجعا   
وقيل المعنى ليحبسوك، يقال أثبته إذا حبسه. وقيل ليوثقوك، ومنهفَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } محمد 4. وقرأ الشعبي " ليبيتوك " من البيات. وقرىء «ليثبتوك» بالتشديد { أَوْ يُخْرِجُوكَ } معطوف على ما قبله، أي يخرجوك من مكة التي هي بلدك وبلد أهلك. وجملة { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ } مستأنفة. والمكر التدبير في الأمر في خفية. والمعنى أنهم يخفون ما يعدّونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المكايد، فيجازيهم الله على ذلك ويردّ كيدهم في نحورهم. وسمى ما يقع منه تعالى مكراً مشاكلة، كما في نظائره { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ } أي المجازين لمكر الماكرين بمثل فعلهم، فهو يعذبهم على مكرهم من حيث لا يشعرون، فيكون ذلك أشدّ ضرراً عليهم وأعظم بلاء من مكرهم. قوله { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا } أي التي تأتيهم بها، وتتلوها عليهم { قَالُواْ } تعنتاً وتمرّداً وبعداً عن الحق { قَدْ سَمِعْنَا } ما تتلوه علينا { لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا } الذي تلوته علينا. قيل إنهم قالوا هذا توهماً منهم أنهم يقدرون على ذلك. فلما راموا أن يقولوا مثله عجزوا عنه. ثم قالوا عناداً وتمرّداً { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأوَّلِينَ } أي ما يستطره الوراقون من أخبار الأوّلين، وقد تقدّم بيانه مستوفى. { وَإِذْ قَالُواْ } أي واذكر إذ قالوا { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } بنصب الحق على أنه خبر كان، والضمير للفصل، ويجوز الرفع. قال الزجاج ولا أعلم أحداً قرأ بها، ولا اختلاف بين النحويين في إجازتها، ولكن القراءة سنة، والمعنى إن كان القرآن الذي جاءنا به محمد هو الحق، { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا } قالوا هذه المقالة مبالغة في الجحود والإنكار. قال أبو عبيدة يقال أمطر في العذاب، ومطر في الرحمة. وقال في الكشاف قد كثر الإمطار في معنى العذاب. { أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } سألوا أن يعذبوا بالرجم بالحجارة من السماء، أو بغيرها من أنواع العذاب الشديد. فأجاب الله عليهم بقوله { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ } يا محمد { فِيهِمْ } موجود، فإنك ما دمت فيهم فهم في مهلة من العذاب الذي هو الاستئصال { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } روي أنهم كانوا يقولون في الطواف غفرانك، أي وما كان الله معذبهم في حال كونهم يستغفرونه.

السابقالتالي
2 3