الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يِٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

جعل سبحانه التقوى شرطاً في الجعل المذكور، مع سبق علمه بأنهم يتقون أو لا يتقون جرياً على ما يخاطب به الناس بعضهم بعضاً. والتقوى اتقاء مخالفة أوامره والوقوع في مناهيه. والفرقان ما يفرق به بين الحق والباطل، والمعنى أنه يجعل لهم من ثبات القلوب، وثقوب البصائر، وحسن الهداية ما يفرقون به بينهما عند الالتباس. وقيل الفرقان المخرج من الشبهات والنجاة من كل ما يخافونه، ومنه قول الشاعر
مالك من طول الأسى فرقان بعد قطين رحلوا وبانوا   
ومنه قول الآخر
وكيف أرجو الخلد والموت طالبي وما لي من كأس المنية فرقان   
وقال الفراء المراد بالفرقان الفتح والنصر. قال ابن إسحاق الفرقان الفصل بين الحق والباطل، وبمثله قال ابن زيد، وقال السديّ الفرقان النجاة، ويؤيد تفسير الفرقان بالمخرج والنجاة. قوله تعالىوَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } الطلاق 2 وبه قال مجاهد ومالك بن أنس. { وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ } أي يسترها حتى تكون غير ظاهرة { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ما اقترفتم من الذنوب. وقد قيل إن المراد بالسيئات الصغائر، وبالذنوب التي تغفر الكبائر. وقيل المعنى أنه يغفر لهم ما تقدّم من الذنوب وما تأخر { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } فهو المتفضل على عباده بتكفير السيئات ومغفرة الذنوب. وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله { يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا } قال هو المخرج. وأخرج ابن جرير عنه، قال هو النجاة. وأخرج ابن جرير، عن عكرمة، مثله. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، قال هو النصر.