الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

الأمر هنا بالاستجابة مؤكد لما سبق من الأمر بالطاعة، ووحد الضمير هنا حيث قال { إِذَا دَعَاكُمْ } كما وحده في قولهوَلاَ تَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ } الأنفال 20 وقد قدّمنا الكلام في وجه ذلك، والاستجابة الطاعة. قال أبو عبيدة معنى استجيبوا أجيبوا. وإن كان استجاب يتعدّى باللام، وأجاب بنفسه كما في قولهيٰقَوْمَنَا أَجِيبُواْ دَاعِىَ ٱللَّهِ } الأحقاف 31، وقد يتعدّى استجاب بنفسه كما في قول الشاعر
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب   
{ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } اللام متعلقة بقوله { ٱسْتَجِيبُواْ } أي استجيبوا لما يحييكم إذا دعاكم، ولا مانع من أن تكون متعلقة " بدعا " أي إذا دعاكم إلى ما فيه حياتكم من علوم الشريعة، فإن العلم حياة، كما أن الجهل موت. فالحياة هنا مستعارة للعلم. قال الجمهور من المفسرين المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواه ففيه الحياة الأبدية، والنعمة السرمدية. وقيل المراد بقوله { لِمَا يُحْيِيكُمْ } الجهاد، فإنه سبب الحياة في الظاهر، لأن العدوّ إذا لم يغز غزا. ويستدلّ بهذا الأمر بالاستجابة على أنه يجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله أو قول رسوله في حكم من الأحكام الشرعية أن يبادر إلى العمل به كائناً ما كان، ويدع ما خالفه من الرأي وأقوال الرجال. وفي هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بنصوص الأدلة، وترك التقيد بالمذاهب، وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائناً ما كان. قوله { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَقَلْبِهِ } قيل معناه بادروا إلى الاستجابة قبل أن لا تتمكنوا منها بزوال القلوب التي تعقلون بها بالموت الذي كتبه الله عليكم. وقيل معناه إنه خاف المسلمون يوم بدر كثرة العدوّ، فأعلمهم الله أنه يحول بين المرء وقلبه بأن يبدلهم بعد الخوف أمناً، ويبدل عدوّهم من الأمن خوفاً. وقيل هو من باب التمثيل لقربه سبحانه من العبد كقولهوَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } قۤ 16 ومعناه أنه مطلع على ضمائر القلوب، لا تخفى عليه منها خافية. واختار ابن جرير أن هذا من باب الإخبار من الله عزّ وجلّ بأنه أملك لقلوب عباده منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يدرك الإنسان شيئاً إلا بمشيئته عزّ وجلّ. ولا يخفاك أنه لا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني. { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } معطوف على { أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَقَلْبِهِ } وأنكم محشورون إليه، وهو مجازيكم بالخير خيراً، وبالشرّ شرّاً. قال الفراء ولو استأنفت فكسرت همزة " إنَّه " لكان صواباً. ولعل مراده أن مثل هذا جائز في العربية.

السابقالتالي
2 3