الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

الاستفتاح طلب النصر، وقد اختلف في المخاطبين بالآية من هم؟ فقيل إنها خطاب للكفار تهكماً بهم، والمعنى إن تستنصروا الله على محمد فقد جاءكم النصر. وقد كانوا عند خروجهم من مكة سألوا الله أن ينصر أحق الطائفتين بالنصر، فتهكم الله بهم، وسمى ما حلّ بهم من الهلاك نصراً. ومعنى بقية الآية على هذا القول { وَإِن تَنتَهُواْ } عما كنتم عليه من الكفر والعداوة لرسول الله { فَهُوَ } أي الانتهاء { خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ } إلى ما كنتم عليه من الكفر والعداوة { نَعُدُّ } بتسليط المؤمنين عليكم، ونصرهم كما سلطناهم ونصرناهم في يوم بدر { وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ } أي جماعتكم { شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ } أي لا تغني عنكم في حال من الأحوال، ولو في حال كثرتها، ثم قال { وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ومن كان الله معه، فهو المنصور، ومن كان الله عليه، فهو المخذول. قرىء بكسر " إن " وفتحها، فالكسر على الاستئناف، والفتح على تقدير ولأن الله مع المؤمنين فعل ذلك. وقيل إن الآية خطاب للمؤمنين، والمعنى إن تستنصروا الله فقد جاءكم النصر في يوم بدر، وإن تنتهوا عن مثل ما فعلتموه من أخذ الغنائم، وفداء الأسرى قبل الإذن لكم بذلك، فهو خير لكم، وإن تعودوا إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم، كما في قولهلَّوْلاَ كِتَـٰبٌ مّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } الأنفال 68 الآية، ولا يخفى أنه يأبي هذا القول معنى { وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً } ويأباه أيضاً { وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وتوجيه ذلك لا يمكن إلا بتكلف وتعسف. وقيل إن الخطاب في { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ ٱلْفَتْحُ } للمؤمنين، وما بعده للكافرين، ولا يخفى ما في هذا من تفكيك النظم وعود الضمائر الجارية في الكلام على نمط واحد إلى طائفتين مختلفتين. وقد أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وابن منده، والحاكم وصححه، والبهيقي في الدلائل، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير، أن أبا جهل قال حين التقى القوم اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة، فكان ذلك استفتاحاً منه فنزلت { إِن تَسْتَفْتِحُواْ } الآية. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن عطية، قال قال أبو جهل يوم بدر اللهم انصر أهدى الفئتين، وأفضل الفئتين، وخير الفئتين، فنزلت الآية. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس { إِن تَسْتَفْتِحُواْ } يعني المشركين، أي إن تستنصروا فقد جاءكم المدد. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ ٱلْفَتْحُ } قال كفار قريش في قولهم ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه.

السابقالتالي
2