الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } * { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } * { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } * { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } * { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } * { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } * { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } * { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } * { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } * { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } * { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } * { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } * { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ } * { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا } * { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا }

قوله { أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَاء بَنَـٰهَا } أي أخلقكم بعد الموت، وبعثكم أشدّ عندكم، وفي تقديركم أم خلق السماء؟ والخطاب لكفار مكة، والمقصود به التوبيخ لهم والتبكيت لأن من قدر على خلق السماء؟ التي لها هذا الجرم العظيم وفيها من عجائب الصنع وبدائع القدرة ما هو بين للناظرين كيف يعجز عن إعادة الأجسام التي أماتها بعد أن خلقها أوّل مرّة؟ ومثل هذا قوله سبحانهلَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } غافر 57 وقولهأَوَ لَيْسَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } يۤس 81 ثم بيّن سبحانه كيفية خلق السماء فقال { بَنَـٰهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } أي جعلها كالبناء المرتفع فوق الأرض، ورفع سمكها أي أعلاه في الهواء، فقوله { رَفَعَ سَمْكَهَا } بيان للبناء، يقال سمكت الشيء أي رفعته في الهواء، وسمك الشيء سموكاً ارتفع. قال الفرّاء كل شيء حمل شيئًا من البناء أو غيره فهو سمك، وبناء مسموك، وسنام سامك أي عال، والسموكات السمٰوات ومنه قول الفرزدق
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعزّ وأطول   
قال البغوي رفع سمكها، أي سقفها. قال الكسائي، والفراء، والزجاج تمّ الكلام عند قوله { أَمِ ٱلسَّمَاء بَنَـٰهَا } لأنه من صلة السماء، والتقدير أم السماء التي بناها، فحذف التي، ومثل هذا الحذف جائز. ومعنى { فَسَوَّاهَا } فجعلها مستوية الخلق معدّلة الشكل لا تفاوت فيها، ولا اعوجاج، ولا فطور، ولا شقوق. { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا } الغطش الظلمة أي جعله مظلماً، يقال غطش الليل وأغطشه الله، كما يقال أظلم الليل وأظلمه الله، ورجل أغطش، وامرأة غطشى لا يهتديان. قال الراغب وأصله من الأغطش، وهو الذي في عينه عمش، ومنه فلاة غطشى لا يهتدى فيها، والتغاطش التعامي. قال الأعشى
ودهماء بالليل غطشى الفلا ة يؤنسني صوت قيادها   
وقوله
وغامرهم مدلهم غطش   
يعني غمرهم سواد الليل، وأضاف الليل إلى السماء لأن الليل يكون بغروب الشمس، والشمس مضافة إلى السماء. { وَأَخْرَجَ ضُحَـٰهَا } أي أبرز نهارها المضيء بإضاءة الشمس، وعبر عن النهار بالضحى لأنه أشرف أوقاته وأطيبها، وأضافه إلى السماء لأنه يظهر بظهور الشمس، وهي منسوبة إلى السماء. { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا } أي بعد خلق السماء، ومعنى { دحاها } بسطها، وهذا يدلّ على أن خلق الأرض بعد خلق السماء، ولا معارضة بين هذه الآية، وبين ما تقدّم في سورة فصلت من قولهثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء } فصلت 11 بل الجمع بأنه سبحانه خلق الأرض أوّلاً غير مدحوّة، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض، وقد قدّمنا الكلام على هذا مستوفى هنالك، وقدّمنا أيضاً بحثاً في هذا في أوّل سورة البقرة عند قوله

السابقالتالي
2 3 4 5