الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } * { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } * { ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } * { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } * { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } * { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً } * { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } * { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } * { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } * { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً } * { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } * { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } * { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } * { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } * { لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً } * { وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } * { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } * { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } * { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } * { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } * { لِّلطَّاغِينَ مَآباً } * { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } * { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } * { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } * { جَزَآءً وِفَاقاً } * { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } * { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } * { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } * { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً }

قوله { عَمَّ يَتَسَاءلُونَ } أصله عن ما، فأدغمت النون في الميم لأن الميم تشاركها في الغنة، كذا قال الزجاج، وحذفت الألف ليتميز الخبر عن الاستفهام، وكذلك فيم وممّ ونحو ذلك، والمعنى عن أيّ شيء يسأل بعضهم بعضاً. قرأ الجمهور { عمّ } بحذف الألف لما ذكرنا، وقرأ أبيّ، وابن مسعود، وعكرمة، وعيسى بإثباتها، ومنه قول الشاعر
علاما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في دمان   
ولكنه قليل لا يجوز إلاّ للضرورة، وقرأ البزي بهاء السكت عوضاً عن الألف، وروى ذلك عن ابن كثير. قال الزجاج اللفظ لفظ استفهام، والمعنى تفخيم القصة كما تقول أيّ شيء تريد إذا عظمت شأنه. قال الواحدي قال المفسرون لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبرهم بتوحيد الله، والبعث بعد الموت، وتلا عليهم القرآن، جعلوا يتساءلون بينهم يقولون ماذا جاء به محمد، وما الذي أتى به؟ فأنزل الله { عَمَّ يَتَسَاءلُونَ } قال الفرّاء التساؤل هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل، وقد يستمعل أيضاً في أن يتحدّثوا به، وإن لم يكن بينهم سؤال. قال الله تعالىفَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } الطور 25قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ إِنّى كَانَ لِى قَرِينٌ } الصافات 51 الآية، وهذا يدل على أنه التحدّث، ولفظ " ما " موضوع لطلب حقائق الأشياء، وذلك يقتضي كون المطلوب مجهولاً، فجعل الشيء العظيم الذي يعجز العقل عن أن يحيط بكنهه كأنه مجهول، ولهذا جاء سبحانه بلفظ " ما ". ثم ذكر سبحانه تساؤلهم عن ماذا، وبينه فقال { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } فأورده سبحانه أوّلاً على طريقة الاستفهام مبهماً لتتوجه إليه أذهانهم، وتلتفت إليه أفهامهم، ثم بينه بما يفيد تعظيمه، وتفخيمه كأنه قيل عن أيّ شيء يتساءلون هل أخبركم به؟ ثم قيل بطريق الجواب { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } على منهاج قولهلّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ } غافر 16 فالجارّ والمجرور متعلق بالفعل الذي قبله، أو بما يدلّ عليه. قال ابن عطية قال أكثر النحاة عن النبأ العظيم متعلق بـ { يتساءلون } الظاهر، كأنه قال لم يتساءلون عن النبأ العظيم، وقيل ليس بمتعلق بالفعل المذكور لأنه كان يلزم دخول حرف الاستفهام، فيكون التقدير أعن النبأ العظيم؟ فلزم أن يتعلق بـ { يتساءلون } آخر مقدّر، وإنما كان ذلك النبأ، أي القرآن عظيماً لأنه ينبىء عن التوحيد، وتصديق الرسول، ووقوع البعث والنشور. قال الضحاك يعني نبأ يوم القيامة، وكذا قال قتادة. وقد استدلّ على أن النبأ العظيم هو القرآن بقوله { ٱلَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } فإنهم اختلفوا في القرآن، فجعله بعضهم سحراً، وبعضهم شعراً، وبعضهم كهانة، وبعضهم قال هو أساطير الأوّلين. وأما البعث فقد اتفق الكفار إذ ذاك على إنكاره.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8