الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } * { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } * { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } * { نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً } * { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } * { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

قوله { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ تَنزِيلاً } أي فرّقناه في الإنزال، ولم ننزله جملة واحدة. وقيل المعنى نزلناه عليك، ولم تأت به من عندك، كما يدّعيه المشركون. { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ } أي لقضائه، ومن حكمه، وقضائه تأخير نصرك إلى أجل اقتضته حكمته. قيل وهذا منسوخ بآية السيف { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءاثِماً أَوْ كَفُوراً } أي لا تطع كل واحد من مرتكب لإثم وغال في كفر، فنهاه الله سبحانه عن ذلك. قال الزجاج إن الألف هنا آكد من الواو وحدها لأنك إذا قلت لا تطع زيداً، وعمراً، فأطاع أحدهما كان غير عاص لأنه أمره أن لا يطيع الاثنين، فإذا قال لا تطع منهم آثماً أو كفوراً دلّ ذلك على أن كل واحد منهما أهل أن يعصى، كما أنك إذا قلت لا تخالف الحسن أو ابن سيرين، فقد قلت إنهما أهل أن يتبعا، وكل واحد منهما أهل أن يتبع. وقال الفرّاء «أو» هنا بمنزلة لا، كأنه قال ولا كفوراً. وقيل المراد بقوله { ءاثِماً } عتبة بن ربيعة، وبقوله { أَوْ كَفُوراً } الوليد بن المغيرة لأنهما قالا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ارجع عن هذا الأمر، ونحن نرضيك بالمال والتزويج. { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي دم على ذكره في جميع الأوقات. وقيل المعنى صلّ لربك أوّل النهار وآخره، فأوّل النهار صلاة الصبح، وآخره صلاة العصر. { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ } أي صلّ المغرب والعشاء. وقيل المراد الصلاة في بعضه من غير تعيين، ومن للتبعيض على كل تقدير { وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } أي نزّهه عما لا يليق به، فيكون المراد الذكر بالتسبيح سواء كان في الصلاة، أو في غيرها. وقيل المراد التطوّع في الليل. قال ابن زيد، وغيره إن هذه الآية منسوخة بالصلوات الخمس. وقيل الأمر للندب. وقيل هو مخصوص بالنبيّ صلى الله عليه وسلم. { إِنَّ هَـٰؤُلاَء يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } يعني كفار مكة ومن هو موافق لهم. والمعنى أنهم يحبون الدار العاجلة، وهي دار الدنيا، { وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } أي يتركون، ويدعون وراءهم، أي خلفهم، أو بين أيديهم وأمامهم يوماً شديداً عسيراً، وهو يوم القيامة، وسمي ثقيلاً لما فيه من الشدائد والأهوال. ومعنى كونه يذرونه وراءهم أنهم لا يستعدّون له، ولا يعبئون به، فهم كمن ينبذ الشيء وراء ظهره تهاوناً به، واستخفافاً بشأنه، وإن كانوا في الحقيقة مستقبلين له وهو أمامهم. { نَّحْنُ خَلَقْنَـٰهُمْ } أي ابتدأنا خلقهم من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة إلى أن كمل خلقهم، ولم يكن لغيرنا في ذلك عمل ولا سعي لا اشتراكاً ولا استقلالاً { وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } الأسر شدّة الخلق، يقال شدّ الله أسر فلان، أي قوّى خلقه.

السابقالتالي
2