الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } * { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } * { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } * { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } * { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } * { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }

قوله { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } منصوب على الحال من مفعول جزاهم، والعامل فيها جزى، ولا يعمل فيها صبروا لأن الصبر إنما كان في الدنيا، وجوّز أبو البقاء أن يكون صفة لجنة. قال الفرّاء وإن شئت جعلت متكئين تابعاً، كأنه قال جزاهم جنة { متكئين } فيها. وقال الأخفش يجوز أن يكون منصوباً على المدح، والضمير من { فيها } يعود إلى الجنة، والأرائك السرر في الحجال، وقد تقدّم تفسيرها في سورة الكهف { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } الجملة في محل نصب على الحال من مفعول جزاهم، فتكون من الحال المترادفة، أو من الضمير في متكئين، فتكون من الحال المتداخلة، أو صفة أخرى لجنة، والزمهرير أشدّ البرد، والمعنى أنهم لا يرون في الجنة حرّ الشمس ولا برد الزمهرير، ومنه قول الأعشى
منعمة طفلة كالمها لم تر شمساً ولا زمهريراً   
وقال ثعلب الزمهرير القمر بلغة طيّ، وأنشد لشاعرهم
وليلة ظلامها قد اعتكر قطعتها والزمهرير ما زهر   
ويروى. ما ظهر، أي لم يطلع القمر، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة مريم. { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـٰلُهَا } قرأ الجمهور { دانية } بالنصب عطفاً على محل لا يرون، أو على متكئين، أو صفة لمحذوف، أي وجنة دانية، كأنه قال وجزاهم جنة دانية. وقال الزجاج هو صفة لجنة المتقدم ذكرها. وقال الفرّاء هو منصوب على المدح. وقرأ أبو حيوة ودانية بالرفع على أنه خبر مقدّم، وظلالها مبتدأ مؤخر، والجملة في موضع النصب على الحال، والمعنى أن ظلال الأشجار قريبة منهم مظلة عليهم زيادة في نعيمهم، وإن كان لا شمس هنالك. قال مقاتل يعني شجرها قريب منهم. وقرأ ابن مسعود ودانياً عليهم. { وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } معطوف على دانية كأنه قال ومذللة. ويجوز أن تكون الجملة في محل نصب على الحال من الضمير في عليهم، ويجوز أن تكون مستأنفة، والقطوف الثمار، والمعنى أنها سخرت ثمارها لمتناوليها تسخيراً كثيراً بحيث يتناولها القائم والقاعد والمضطجع لا يردّ أيديهم عنها بعد ولا شوك. قال النحاس المذلل القريب المتناول، ومنه قولهم حائط ذليل، أي قصير. قال ابن قتيبة ذللت أدنيت، من قولهم حائط ذليل أي كان قصير السمك. وقيل ذللت، أي جعلت منقادة لا تمتنع على قطافها كيف شاءوا. { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِـئَانِيَةٍ مّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ } أي تدور عليهم الخدم إذا أرادوا الشراب بآنية الفضة، والأكواب جمع ركوب، وهو الكوز العظيم الذي لا أذن له ولا عروة، ومنه قول عديّ
متكىء تقرع أبوابه يسعى عليه العبد بالكوب   
وقد مضى تفسيره في سورة الزخرف { كَانَتْ قَوَارِيرَاْ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ } أي في وصف القوارير في الصفاء وفي بياض الفضة، فصفاؤها صفاء الزجاج، ولونها لون الفضة.

السابقالتالي
2 3 4 5