الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } * { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } * { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } * { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } * { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } * { وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } * { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } * { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } * { ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ }

قوله { كَلاَّ } ردع وزجر، أي بعيد أن يؤمن الكافر بيوم القيامة، ثم استأنف، فقال { إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِىَ } أي بلغت النفس أو الروح التراقي، وهي جمع ترقوة، وهي عظم بين ثغرة النحر والعاتق، ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشفاء على الموت، ومثله قولهفَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } الواقعة 83 وقيل معنى { كَلاَّ } حقاً، أي حقاً أن المساق إلى الله إذا بلغت التراقي، والمقصود تذكيرهم شدّة الحال عند نزول الموت. قال دريد بن الصمة
وربّ كريهة دافعت عنها وقد بلغت نفوسهم التراقي   
{ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } أي قال من حضر صاحبها من يرقيه ويشتفي برقيته؟. قال قتادة التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئًا، وبه قال أبو قلابة، ومنه قول الشاعر
هل للفتى من بنات الموت من واقي أم هل له من حمام الموت من راقي   
وقال أبو الجوزاء هو من رقى يرقى إذا صعد، والمعنى من يرقى بروحه إلى السماء أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وقيل إنه يقول ذلك ملك الموت، وذلك أن نفس الكافر تكره الملائكة قربها { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } أي وأيقن الذي بلغت روحه التراقي أنه الفراق من الدنيا ومن الأهل والمال والولد. { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } أي التفت ساقه بساقه عند نزول الموت به. وقال جمهور المفسرين المعنى تتابعت عليه الشدائد. وقال الحسن هما ساقاه إذا التفتا في الكفن. وقال زيد بن أسلم التفت ساق الكفن بساق الميت. وقيل ماتت رجلاه ويبست ساقاه ولم تحملاه، وقد كان جوّالاً عليهما. وقال الضحاك اجتمع عليه أمران شديدان الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه. وبه قال ابن زيد. والعرب لا تذكر الساق إلاّ في الشدائد الكبار والمحن العظام، ومنه قولهم قامت الحرب على ساق. وقيل الساق الأوّل تعذيب روحه عند خروج نفسه، والساق الآخر شدّة البعث وما بعده. { إِلَىٰ رَبّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } أي إلى خالقك يوم القيامة المرجع، وذلك جمع العباد إلى الله يساقون إليه. { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } أي لم يصدّقَ بالرسالة ولا بالقرآن، ولا صلى لربه، والضمير يرجع إلى الإنسان المذكور في أوّل هذه السورة. قال قتادة فلا صدّق بكتاب الله ولا صلى لله. وقيل فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه. قال الكسائي لا بمعنى لم، وكذا قال الأخفش والعرب تقول لا ذهب، أي لم يذهب، وهذا مستفيض في كلام العرب، ومنه
إن تغفر اللَّهم تغفر جما وأيّ عبد لك لا ألما   
{ وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } أي كذّب بالرسول وبما جاء به، وتولى عن الطاعة والإيمان. { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } أي يتبختر ويختال في مشيته افتخاراً بذلك.

السابقالتالي
2 3