الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } * { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } * { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } * { بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } * { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } * { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } * { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } * { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } * { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } * { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } * { كَلاَّ لاَ وَزَرَ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } * { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } * { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } * { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } * { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } * { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } * { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } * { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } * { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } * { وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } * { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }

قوله { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } قال أبو عبيدة، وجماعة المفسرين إن «لا» زائدة، والتقدير أقسم. قال السمرقندي أجمع المفسرون أن معنى { لا أقسم } أقسم، واختلفوا في تفسير " لا " ، فقال بعضهم هي زائدة، وزيادتها جارية في كلام العرب، كما في قولهمَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } الأعراف 12 يعني أن تسجد، و { لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } الحديد 29 ومن هذا قول الشاعر
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد صميم القلب لا يتقطع   
وقال بعضهم هي ردّ لكلامهم حيث أنكروا البعث كأنه قال ليس الأمر كما ذكرتم، أقسم بيوم القيامة، وهذا قول الفرّاء، وكثير من النحويين، كقول القائل لا والله، فلا ردّ لكلام قد تقدّمها، ومنه قول الشاعر
فلا وأبيك ابنة العامري لا يدّعى القوم أني أفر   
وقيل هي للنفي، لكن لا لنفي الإقسام، بل لنفي ما ينبيء عنه من إعظام المقسم به وتفخيمه، كأن معنى لا أقسم بكذا لا أعظمه بإقسامي به حقّ إعظامه، فإنه حقيق بأكثر من ذلك. وقيل إنها لنفي الإقسام لوضوح الأمر، وقد تقدّم الكلام على هذا في تفسير قولهفَلاَ أُقْسِمُ بِمَوٰقِعِ ٱلنُّجُومِ } الواقعة 75. وقرأ الحسن، وابن كثير في رواية عنه، والزهري، وابن هرمز " لأقسم " بدون ألف على أن اللام لام الابتداء، والقول الأوّل هو أرجح هذه الأقوال، وقد اعترض عليه الرازي بما لا يقدح في قوّته، ولا يفتّ في عضد رجحانه، وإقسامه سبحانه بيوم القيامة لتعظيمه وتفخيمه، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته. { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } ذهب قوم إلى أنه سبحانه أقسم بالنفس اللوّامة، كما أقسم بيوم القيامة، فيكون الكلام في " لا " هذه كالكلام في الأولى، وهذا قول الجمهور. وقال الحسن أقسم بيوم القيامة، ولم يقسم بالنفس اللوّامة. قال الثعلبي والصحيح أنه أقسم بهما جميعاً، ومعنى ٱلنَّفْسَ ٱللَّوَّامَةِ النفس التي تلوم صاحبها على تقصيره، أو تلوم جميع النفوس على تقصيرها. قال الحسن هي والله نفس المؤمن، لا يرى المؤمن إلاّ يلوم نفسه ما أردت بكذا ما أردت بكذا، والفاجر لا يعاتب نفسه. قال مجاهد هي التي تلوم على ما فات وتندم، فتلوم نفسها على الشرّ لم تعمله؟ وعلى الخير لم لم تستكثر منه؟ قال الفرّاء ليس من نفس برّة ولا فاجرة إلاّ وهي تلوم نفسها، إن كانت عملت خيراً قالت هلا ازددت، وإن كانت عملت سوءاً قالت ليتني لم أفعل. وعلى هذا فالكلام خارج مخرج المدح للنفس، فيكون الإقسام بها حسناً سائغاً. وقيل اللوّامة هي الملومة المذمومة، فهي صفة ذمّ، وبهذا احتج من نفى أن يكون قسماً، إذ ليس لنفس العاصي خطر يقسم به.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8