الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } * { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } * { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } * { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } * { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } * { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } * { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } * { حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } * { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } * { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } * { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ } * { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } * { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } * { كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } * { كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ }

قوله { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } أي مأخوذة بعملها ومرتهنة به، إما خلصها وإما أوبقها، والرهينة اسم بمعنى الرهن، كالشيمة بمعنى الشيم، وليست صفة، ولو كانت صفة لقيل رهين لأن فعيلاً يستوي فيه المذكر والمؤنث، والمعنى كل نفس رهن بكسبها غير مفكوكة. { إِلاَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْيَمِينِ } فإنهم لا يرتهنون بذنوبهم، بل يفكون بما أحسنوا من أعمالهم. واختلف في تعيينهم. فقيل هم الملائكة. وقيل المؤمنون. وقيل أولاد المسلمين. وقيل الذين كانوا عن يمين آدم. وقيل أصحاب الحقّ. وقيل هم المعتمدون على الفضل دون العمل. وقيل هم الذين اختارهم الله لخدمته { فِي جَنَّـٰتِ } هو في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والجملة استئناف جواباً عن سؤال نشأ مما قبله، ويجوز أن يكون { في جنات } حالاً من { أصحاب اليمين } ، وأن يكون حالاً من فاعل { يتساءلون } ، وأن يكون ظرفاً لـ { يتساءلون } ، وقوله { يَتَسَاءلُونَ } يجوز أن يكون على بابه، أي يسأل بعضهم بعضاً، ويجوز أن يكون بمعنى يسألون أي يسألون غيرهم، نحو دعيته وتداعيته، فعلى الوجه الأوّل يكون { عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } متعلقاً بـ { يتساءلون } أي يسأل بعضهم بعضاً عن أحوال المجرمين، وعلى الوجه الثاني تكون " عن " زائدة، أي يسألون المجرمين. وقوله { مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ } هو على تقدير القول، أي يتساءلون عن المجرمين يقولون لهم ما سلككم في سقر، أو يسألونهم قائلين لهم ما سلككم في سقر، والجملة على كلا التقديرين في محل نصب على الحال، والمعنى ما أدخلكم في سقر، تقول سلكت الخيط في كذا إذا دخلته فيه. قال الكلبي يسأل الرجل من أهل الجنة الرجل من أهل النار باسمه، فيقول له يا فلان ما سلكك في النار. وقيل إن الملائكة يسألون الملائكة عن أقربائهم، فتسأل الملائكة المشركين يقولون لهم ما سلككم في سقر. قال الفراء في هذا ما يقوّي أن أصحاب اليمين هم الولدان لأنهم لا يعرفون الذنوب. ثم ذكر سبحانه ما أجاب به أهل النار عليهم فقال { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلّينَ } أي من المؤمنين الذين يصلون لله في الدنيا. { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } أي لم نتصدق على المساكين. قيل وهذان محمولان على الصلاة الواجبة والصدقة الواجبة لأنه لا تعذيب على غير الواجب، وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالشرعيات. { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَائِضِينَ } أي نخالط أهل الباطل في باطلهم. قال قتادة كلما غوى غاوٍ غوينا معه. وقال السديّ كنا نكذب مع المكذبين. وقال ابن زيد نخوض مع الخائضين في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قولهم كاذب مجنون ساحر شاعر. { وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ ٱلدّينِ } أي بيوم الجزاء والحساب { حَتَّىٰ أَتَـٰنَا ٱلْيَقِينُ } وهو الموت، كما في قوله

السابقالتالي
2 3