الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } * { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } * { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } * { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ }

لما نزل قوله سبحانهعَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } المدثر 30 قال أبو جهل أما لمحمد من الأعوان إلاّ تسعة عشر يخوّفكم محمد بتسعة عشر، وأنتم الدهم، أفيعجز كل مائة رجل منكم أن يبطشوا بواحد منهم، ثم يخرجون من النار؟ فقال أبو الأشدّ، وهو رجل من بني جمح يا معشر قريش إذا كان يوم القيامة، فأنا أمشي بين أيديكم، فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن، وتسعة بمنكبي الأيسر، ونمضي ندخل الجنة، فأنزل الله { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَـئِكَةً } يعني ما جعلنا المدبرين لأمر النار القائمين بعذاب من فيها إلاّ ملائكة، فمن يطيق الملائكة ومن يغلبهم، فكيف تتعاطون أيها الكفار مغالبتهم. وقيل جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنس المخلوقين من الجنّ والإنس، فلا يأخذهم ما يأخذ المجالس من الرقة والرأفة. وقيل لأنهم أقوم خلق الله بحقه والغضب له، وأشدهم بأساً وأقواهم بطشاً { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً } أي ضلالة لِلَّذِينَ استقلوا عددهم، ومحنة لهم، والمعنى ما جعلناهم عددهم هذا العدد المذكور في القرآن إلاّ ضلالة ومحنة لهم، حتى قالوا ما قالوا، ليتضاعف عذابهم ويكثر غضب الله عليهم. وقيل معنى { إِلاَّ فِتْنَةً } إلاّ عذاباً، كما في قولهيَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } الذاريات 13 أي يعذبون، واللام في قوله { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } متعلق بـ { جعلنا } ، والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى لموافقة ما نزل من القرآن بأن عدّة خزنة جهنم تسعة عشر لما عندهم. قاله قتادة، والضحاك، ومجاهد، وغيرهم، والمعنى أن الله جعل عدّة الخزنة هذه العدّة ليحصل اليقين لليهود والنصارى بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم لموافقة ما في القرآن لما في كتبهم. { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِيمَـٰناً } وقيل المراد الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام. وقيل أراد الذين آمنوا المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى ليزدادوا يقيناً إلى يقينهم لما رأوا من موافقة أهل الكتاب لهم، وجملة { وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } مقرّرة لما تقدّم من الاستيقان وازدياد الإيمان، والمعنى نفي الارتياب عنهم في الدّين، أو في أن عدّة خزنة جهنم تسعة عشر، ولا ارتياب في الحقيقة من المؤمنين، ولكنه من باب التعريض لغيرهم ممن في قلبه شك { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَـٰفِرُونَ مَاذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } المراد بالذين في قلوبهم مرض هم المنافقون والسورة وإن كانت مكية، ولم يكن إذ ذاك نفاق، فهو إخبار بما سيكون في المدينة، أو المراد بالمرض مجرّد حصول الشكّ والريب، وهو كائن في الكفار. قال الحسين بن الفضل السورة مكية، ولم يكن بمكة نفاق، فالمرض في هذه الآية الخلاف، والمراد بقوله { وَٱلْكَـٰفِرُونَ } كفار العرب من أهل مكة، وغيرهم، ومعنى { مَاذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } أيّ شيء أراد بهذا العدد المستغرب استغراب المثل.

السابقالتالي
2 3 4