الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } * { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } * { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } * { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } * { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } * { قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } * { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } * { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } * { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً } * { قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } * { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } * { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } * { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }

قوله { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ } هم الذين آمنوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم. { وَمِنَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ } أي الجائرون الظالمون الذين حادوا عن طريق الحق ومالوا إلى طريق الباطل، يقال قسط إذا جار، وأقسط إذا عدل { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } أي قصدوا طريق الحق. قال الفراء أمَّوا الهدى. { وَأَمَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي وقوداً للنار توقد بهم، كما توقد بكفرة الإنس { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } هذا ليس من قول الجنّ بل هو معطوف علىأَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ ٱلْجِنّ } الجن 1 والمعنى وأوحي إليّ أن الشأن لو استقام الجنّ أو الإنس، أو كلاهما على الطريقة، وهي طريقة الإسلام، وقد قدّمنا أن القراء اتفقوا على فتح أن هٰهنا. قال ابن الأنباري والفتح هنا على إضمار يمين تأويلها والله أن لو استقاموا على الطريقة كما فعل، يقال في الكلام والله لو قمت لقمت، كما في قول الشاعر
أما والله أن لو كنت حرّا ولا بالحرّ أنت ولا العتيق   
قال أو على { أوحي إليّ أنه استمع } ، { وأن لو استقاموا } ، أو على { آمنا به } أي آمنا به، وبأن لو استقاموا. قرأ الجمهور بكسر الواو من لو لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن وثاب، والأعمش بضمها { لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّاء غَدَقاً } أي كثيراً واسعاً. قال مقاتل ماء كثيراً من السماء، وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين. وقال ابن قتيبة المعنى لو آمنوا جميعاً لوسعنا عليهم في الدنيا، وضرب الماء الغدق مثلاً لأن الخير كله والرزق بالمطر، وهذا كقولهوَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ } المائدة 65 الآية، وقولهوَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } الطلاق 2 ـ 3 وقولهفقلت ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ } نوح 10 ــ 12 الآية. وقيل المعنى وأن لو استقام أبوهم على عبادته، وسجد لآدم ولم يكفر، وتبعه ولده على الإسلام لأنعمنا عليهم، واختار هذا الزجاج. والماء الغدق هو الكثير في لغة العرب. { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي لنختبرهم، فنعلم كيف شكرهم على تلك النعم. وقال الكلبي المعنى وأن لو استقاموا على الطريقة التي هم عليها من الكفر، فكانوا كلهم كفاراً، لأوسعنا أرزاقهم مكراً بهم واستدراجاً حتى يفتنوا بها، فنعذبهم في الدنيا والآخرة. وبه قال الربيع بن أنس، وزيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمٰن، والثمالي، ويمان بن زيان، وابن كيسان، وأبو مجلز، واستدلوا بقولهفَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء } الأنعام 44، وقولهوَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّةٍ } الزخرف 33 الآية، والأوّل أولى { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } أي ومن يعرض عن القرآن، أو عن العبادة، أو عن الموعظة، أو عن جميع ذلك يسلكه أي يدخله عذاباً صعداً أي شاقاً صعباً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9