الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } * { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } * { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } * { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } * { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً } * { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } * { وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } * { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } * { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً }

قوله { قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ } قرأ الجمهور { أوحى } رباعياً. وقرأ ابن أبي عبلة، وأبو إياس، والعتكي عن أبي عمرو " وحي " ثلاثياً، وهما لغتان. واختلف هل رآهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أم لم يرهم؟ فظاهر القرآن أنه لم يرهم لأن المعنى قل يا محمد لأمتك أوحي إليّ على لسان جبريل { أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ ٱلْجِنّ } ومثله قولهوَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مّنَ ٱلْجِنّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْءانَ } الأحقاف 29 ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنّ وما رآهم. قال عكرمة والسورة التي كان يقرؤها رسول الله صلى الله عليه وسلم هيٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ } العلق 1 وقد تقدّم في سورة الأحقاف ذكر ما يفيد زيادة في هذا. قوله { أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ ٱلْجِنّ } هذا هو القائم مقام الفاعل، ولهذا فتحت أنّ، والضمير للشأن، وعند الكوفيين والأخفش يجوز أن يكون القائم مقام الفاعل الجارّ والمجرور، والنفر اسم للجماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة. قال الضحاك والجنّ ولد الجانّ وليسوا شياطين. وقال الحسن إنهم ولد إبليس. قيل هم أجسام عاقلة خفية تغلب عليهم النارية والهوائية. وقيل نوع من الأرواح المجرّدة. وقيل هي النفوس البشرية المفارقة لأبدانها. وقد اختلف أهل العلم في دخول مؤمني الجنّ الجنة، كما يدخل عصاتهم النار لقوله في سورة تباركوَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ } الملك 5 وقول الجنّ فيما سيأتي في هذه السورةوَأَمَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } الجن 15 وغير ذلك من الآيات، فقال الحسن يدخلون الجنة، وقال مجاهد لا يدخلونها، وإن صرفوا عن النار. والأوّل أولى لقوله في سورة الرحمٰنلَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ } الرحمٰن 56 وفي سورة الرحمٰن آيات غير هذه تدل على ذلك فراجعها، وقد قدّمنا أن الحق أنه لم يرسل الله إليهم رسلاً منهم، بل الرسل جميعاً من الإنس، وإن أشعر قولهأَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ } الزمر 71 بخلاف هذا، فهو مدفوع الظاهر بآيات كثيرة في الكتاب العزيز دالة على أن الله سبحانه لم يرسل الرسل إلاّ من بني آدم، وهذه الأبحاث الكلام فيها يطول، والمراد الإشارة بأخصر عبارة. { فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءانَاً عَجَباً } أي قالوا لقومهم لما رجعوا إليهم، أي سمعنا كلاماً مقروءاً عجباً في فصاحته وبلاغته. وقيل عجباً في مواعظه. وقيل في بركته، وعجباً مصدر وصف به للمبالغة، أو على حذف المضاف، أي ذا عجب، أو المصدر بمعنى اسم الفاعل أي معجباً { يَهْدِى إِلَى ٱلرُّشْدِ } أي إلى مراشد الأمور، وهي الحقّ والصواب، وقيل إلى معرفة الله، والجملة صفة أخرى للقرآن { فآمنا به } أي صدّقنا به بأنه من عند الله { وَلَن نُّشرِكَ بِرَبّنَا أَحَداً } من خلقه، ولا نتخذ معه إلٰهاً آخر لأنه المتفرّد بالربوبية، وفي هذا توبيخ للكفار من بني آدم حيث آمنت الجنّ بسماع القرآن مرّة واحدة، وانتفعوا بسماع آيات يسيرة منه، وأدركوا بعقولهم أنه كلام الله وآمنوا به، ولم ينتفع كفار الإنس لا سيما رؤساؤهم وعظماؤهم بسماعه مرّات متعدّدة، وتلاوته عليهم في أوقات مختلفة مع كون الرسول منهم يتلوه عليهم بلسانهم لا جرم صرعهم الله أذلّ مصرع، وقتلهم أقبح مقتل، ولعذاب الآخرة أشدّ لو كانوا يعلمون.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7