الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } * { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } * { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } * { مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً } * { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } * { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } * { رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً }

قوله { قَالَ نُوحٌ رَّبّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِىٰ } أي استمرّوا على عصياني ولم يجيبوا دعوتي، شكاهم إلى الله عزّ وجلّ، وأخبره بأنهم عصوه ولم يتبعوه، وهو أعلم بذلك { وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } أي اتبع الأصاغر رؤساءهم وأهل الثروة منهم الذين لم يزدهم كثرة المال والولد إلاّ ضلالاً في الدنيا وعقوبة في الآخرة. قرأ أهل المدينة، والشام، وعاصم، وولده بفتح الواو واللام. وقرأ الباقون بسكون اللام، وهي لغة في الولد، ويجوز أن يكون جمعاً، وقد تقدّم تحقيقه، ومعنى { وَٱتَّبِعُـواْ } أنهم استمرّوا على اتباعهم لا أنهم أحدثوا الاتباع { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } أي مكراً كبيراً عظيماً، يقال كبير وكبار، وكبار مثل عجيب وعجاب وعجاب، وجميل وجمال وجمال. قال المبرد كباراً بالتشديد للمبالغة، ومثل { كباراً } قرّاء لكثير القراءة، وأنشد ابن السكيت
بيضاء تصطاد القلوب وتستبي بالحسن قلب المسلم القرّاء   
قرأ الجمهور { كباراً } بالتشديد. وقرأ ابن محيصن، وحميد، ومجاهد بالتخفيف. قال أبو بكر هو جمع كبير كأنه جعل مكراً مكان ذنوب أو أفاعيل، فلذلك وصفه بالجمع. وقال عيسى بن عمر هي لغة يمانية. واختلف في مكرهم هذا ما هو؟ فقيل هو تحريشهم سفلتهم على قتل نوح، وقيل هو تغريرهم على الناس بما أوتوا من المال والولد حتى قال الضعفة لولا أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم. وقال الكلبي هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد. وقال مقاتل هو قول كبرائهم لأتباعهم لا تذرنّ الٰهتكم وقيل مكرهم كفرهم. { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ } أي لا تتركوا عبادة الٰهتكم، وهي الأصنام والصور التي كانت لهم، ثم عبدتها العرب من بعدهم، وبهذا قال الجمهور. { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } أي لا تتركوا عبادة هذه. قال محمد بن كعب هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح، فنشأ بعدهم قوم يقتدون بهم في العبادة، فقال لهم إبليس لو صوّرتم صورهم كان أنشط لكم وأسوق إلى العبادة، ففعلوا، ثم نشأ قوم من بعدهم، فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك الوقت، وسميت هذه الصور بهذه الأسماء، لأنهم صوّروها على صورة أولئك القوم. وقال عروة بن الزبير وغيره إن هذه كانت أسماء لأولاد آدم، وكان ودّ أكبرهم. قال الماوردي فأما ودّ، فهو أوّل صنم معبود، سمي ودّاً لودّهم له، وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل في قول ابن عباس، وعطاء، ومقاتل، وفيه يقول شاعرهم
حياك ودّ فإنا لا يحل لنا لهو النساء وإن الدين قد غربا   
وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر، وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجرف من سبأ في قول قتادة.

السابقالتالي
2 3