الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ } * { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } * { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } * { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً } * { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } * { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } * { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } * { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } * { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } * { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } * { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً } * { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } * { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } * { ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً } * { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً }

قوله { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } قد تقدّم أن نوحاً أوّل رسول أرسله الله، وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن قينان بن شيث بن آدم، وقد تقدّم مدّة لبثه في قومه، وبيان جميع عمره، وبيان السنّ التي أرسل وهو فيها في سورة العنكبوت. { أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ } أي بأن أنذر على أنها مصدرية. ويجوز أن تكون هي المفسرة لأن في الإرسال معنى القول. وقرأ ابن مسعود { أنذر } بدون أن، وذلك على تقدير القول، أي فقلنا له أنذر { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي عذاب شديد الألم، وهو عذاب النار. وقال الكلبي هو ما نزل بهم من الطوفان. وجملة { قَالَ يَـا قَوْمٌ إِنَّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } مستأنفة استئنافاً بيانياً على تقدير سؤال، كأنه قيل فماذا قال نوح؟ فقال قال لهم إلخ. والمعنى إني لكم منذر من عقاب الله ومخوّف لكم، ومبين لما فيه نجاتكم. { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ } «أن» هي التفسيرية لنذير، أو هي المصدرية أي بأن اعبدوا الله ولا تشركوا به غيره، { واتقوه } أي اجتنبوا ما يوقعكم في عذابه، { وأطيعون } فيما آمركم به فإني رسول إليكم من عند الله. { يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } هذا جواب الأمر، و«من» للتبعيض، أي بعض ذنوبكم، وهو ما سلف منها قبل طاعة الرسول وإجابة دعوته. وقال السديّ المعنى يغفر لكم ذنوبكم، فتكون «من» على هذا زائدة. وقيل المراد بالبعض ما لا يتعلق بحقوق العباد. وقيل هي لبيان الجنس. وقيل يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها { وَيُؤَخّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي يؤخر موتكم إلى الأمد الأقصى الذي قدّره الله لكم بشرط الإيمان والطاعة فوق ما قدّره لكم، على تقدير بقائكم على الكفر والعصيان. وقيل التأخير بمعنى البركة في أعمارهم أن آمنوا، وعدم البركة فيها إن لم يؤمنوا. قال مقاتل يؤخركم إلى منتهى آجالكم. وقال الزجاج أي يؤخركم عن العذاب فتموتوا غير ميتة المستأصلين بالعذاب. وقال الفراء المعنى لا يميتكم غرقاً ولا حرقاً ولا قتلاً { إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّرُ } أي ما قدّره لكم على تقدير بقائكم على الكفر من العذاب إذا جاء، وأنتم باقون على الكفر لا يؤخر بل يقع لا محالة، فبادروا إلى الإيمان والطاعة. وقيل المعنى إن أجل الله، وهو الموت إذا جاء لا يمكنكم الإيمان. وقيل المعنى إذا جاء الموت لا يؤخر سواء كان بعذاب أو بغير عذاب { لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي شيئًا من العلم لسارعتم إلى ما أمرتكم به، أو لعلمتم أن أجل الله إذا جاء لا يؤخر.

السابقالتالي
2 3 4 5