الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } * { إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً } * { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } * { إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } * { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } * { لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } * { وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } * { وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ } * { إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } * { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } * { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } * { وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ } * { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ } * { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } * { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } * { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } * { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ }

قوله { إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعاً } قال في الصحاح الهلع في اللغة أشدّ الحرص، وأسوأ الجزع وأفحشه. يقال هلع بالكسر، فهو هلع وهلوع على التكثير. وقال عكرمة هو الضجور. قال الواحدي، والمفسرون يقولون تفسير الهلع ما بعده يعني قوله { إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } أي إذا أصابه الفقر والحاجة، أو المرض، أو نحو ذلك، فهو جزوع، أي كثير الجزع، وإذا أصابه الخير من الغنى والخصب والسعة، ونحو ذلك، فهو كثير المنع والإمساك. وقال أبو عبيدة الهلوع هو الذي إذا مسه الخير لم يشكر، وإذا مسه الشرّ لم يصبر. قال ثعلب قد فسّر الله الهلوع هو الذي إذا أصابه الشرّ أظهر شدّة الجزع، وإذا أصابه الخير بخل به ومنعه الناس، والعرب تقول ناقة هلوع، وهلواع إذا كانت سريعة السير خفيفته، ومنه قول الشاعر
شكاء ذعلبة إذا استدبرتها جرح إذا استقبلتها هلواع   
والذعلبة الناقة السريعة، وانتصاب هلوعاً وجزوعاً ومنوعاً على أنها أحوال مقدّرة، أو محققة لكونها طبائع جبل الإنسان عليها، والظرفان معمولان لجزوعاً ومنوعاً. { إِلاَّ ٱلْمُصَلّينَ } أي المقيمين للصلاة وقيل المراد بهم أهل التوحيد يعني أنهم ليسوا على تلك الصفات من الهلع والجزع والمنع وأنهم على صفات محمودة وخلال مرضية لأن إيمانهم وما تمسكوا به من التوحيد ودين الحق يزجرهم عن الاتصاف بتلك الصفات، ويحملهم على الاتصاف بصفات الخير. ثم بيّنهم سبحانه فقال { ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ } أي لا يشغلهم عنها شاغل، ولا يصرفهم عنها صارف، وليس المراد بالدوام أنهم يصلون أبداً. قال الزجاج هم الذين لا يزيلون وجوههم عن سمت القبلة، وقال الحسن، وابن جريج هو التطوع منها. قال النخعي المراد بالمصلين الذين يؤدّون الصلاة المكتوبة. وقيل الذين يصلونها لوقتها، والمراد بالآية جميع المؤمنين، وقيل الصحابة خاصة، ولا وجه لهذا التخصيص لاتصاف كل مؤمن بأنه من المصلين. { وَٱلَّذِينَ فِى أَمْوٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } قال قتادة، ومحمد بن سيرين المراد الزكاة المفروضة. وقال مجاهد سوى الزكاة. وقيل صلة الرحم، والظاهر أنه الزكاة لوصفه بكونه معلوماً، ولجعله قريناً للصلاة، وقد تقدّم تفسير السائل والمحروم في سورة الذاريات مستوفى. { وَٱلَّذِينَ يُصَدّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدّينِ } أي بيوم الجزاء، وهو يوم القيامة لا يشكون فيه ولا يجحدونه. وقيل يصدّقونه بأعمالهم، فيتعبون أنفسهم في الطاعات { وَٱلَّذِينَ هُم مّنْ عَذَابِ رَبّهِم مُّشْفِقُونَ } أي خائفون وجلون مع ما لهم من أعمال الطاعة استحقاراً لأعمالهم، واعترافاً بما يجب لله سبحانه عليهم. وجملة { إِنَّ عَذَابَ رَبّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } مقرّرة لمضمون ما قبلها مبينة أن ذلك مما لا ينبغي أن يأمنه أحد، وأن حق كل أحد أن يخافه.

السابقالتالي
2 3