الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } * { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }

قوله { وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ } لما فصل الله سبحانه أحوال بعض الأنبياء مع أممهم، وهم المذكورون سابقاً، أجمل حال سائر الأمم المرسل إليها، أي وما أرسلنا في قرية من القرى من نبيّ من الأنبياء. وفي الكلام محذوف، أي فكذب أهلها { إلا أخذناهم } ، والاستثناء مفرّغ، أي ما أرسلنا في حال من الأحوال، إلا في حال أخذنا أهلها، فمحل أخذنا النصب. والبأساء البؤس والفقر. والضراء الضرّ. وقد تقدم تحقيق معنى البأساء والضراء { لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } أي لكي يتضرعوا ويتذللوا، فيدعوا ما هم عليه من الاستكبار وتكذيب الأنبياء. قوله { ثُمَّ بَدَّلْنَا } معطوف على { أخذنا } أي ثم بعد الأخذ لأهل القرى بدّلناهم { مَكَانَ ٱلسَّيّئَةِ } التي أصبناهم بها من البلاء والامتحان { ٱلْحَسَنَةَ } أي الخصلة الحسنة، فصاروا في خير وسعة وأمن { حَتَّىٰ عَفَواْ } يقال عفا كثر، وعفا درس، فهو من أسماء الأضداد، والمراد هنا أنهم كثروا في أنفسهم وفي أموالهم، أي أعطيناهم الحسنة مكان السيئة، حتى كثروا { وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ ءابَاءنَا ٱلضَّرَّاء وَٱلسَّرَّاء } أي قالوا هذه المقالة عند أن صاروا في الحسنة بعد السيئة، أي أن هذا الذي مسنا من البأساء والضراء، ثم من الرخاء والخصب من بعد، هو أمر وقع لآبائنا قبلنا مثله. فمسهم من البأساء والضراء ما مسنا، ومن النعمة والخير ما نلناه، ومعناهم أن هذه العادة الجارية في السلف والخلف، وأن ذلك ليس من الله سبحانه ابتلاء لهم، واختبار لما عندهم، وفي هذا من شدة عنادهم وقوة تمردهم وعتوّهم ما لا يخفى، ولهذا عاجلهم الله بالعقوبة ولم يمهلهم فقال { فَأَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً } أي فجأة عقب أن قالوا هذه المقالة من دون تراخ ولا إمهال " و " الحال أن { هُمْ لا يَشْعُرُونَ } بذلك ولا يترقبونه. واللام في { ٱلْقُرَىٰ } للعهد، أي { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ } التي أرسلنا إليها رسلنا { ءامَنُواْ } بالرسل المرسلين إليهم { وَٱتَّقَوْاْ } ما صمموا عليه من الكفر، ولم يصرّوا على ما فعلوا من القبائح { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ } أي يسرنا لهم خير السماء والأرض، كما يحصل التيسير للأبواب المغلقة بفتح أبوابها. قيل المراد بخير السماء المطر، وخير الأرض النبات، والأولى حمل ما في الآية على ما هو أعمّ من ذلك. ويجوز أن تكون اللام في { القرى } للجنس. والمراد لو أن أهل القرى أين كانوا، وفي أيّ بلاد سكنوا { آمنوا واتقوا } إلى آخر الآية. { وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ } بالآيات والأنبياء ولم يؤمنوا ولا اتقوا { فَأَخَذْنَـٰهُمْ } بالعذاب بـسبب { مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الذنوب الموجبة لعذابهم. والاستفهام في { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَى } للتقريع والتوبيخ، وأهل القرى هم أهل القرى المذكورة قبله، والفاء للعطف، وهو مثل

السابقالتالي
2 3