الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } * { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ }

قوله { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَـٰهُمْ شُعَيْباً } معطوف على ما تقدّم، أي وأرسلنا. ومدين اسم قبيلة، وقيل اسم بلد والأوّل أولى. وسميت القبيلة باسم أبيهم، وهو مدين بن إبراهيم كما يقال بكر وتميم. قوله { أَخَـٰهُمْ شُعَيْباً } شعيب عطف بيان، وهو شعيب بن ميكائيل بن يشجب بن مدين بن إبراهيم، قاله عطاء وابن إسحاق وغيرهما. وقال الشرقي بن القطامي إنه شعيب بن عيفاء بن ثويب بن مدين بن إبراهيم. وزعم ابن سمعان أنه شعيب بن حرّة بن يشجب بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. وقال قتادة هو شعيب بن صفوان بن عيفاء بن ثابت بن مدين بن إبراهيم. قوله { قَالَ يٰقَوْمِ } إلى قوله { بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ } قد سبق شرحه في قصة نوح. قوله { فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ } أمرهم بإيفاء الكيل والميزان، لأنهم كانوا أهل معاملة بالكيل والوزن، وكانوا لا يوفونهما، وذكر الكيل الذي هو المصدر، وعطف عليه الميزان الذي هو اسم للآلة. واختلف في توجيه ذلك، فقيل المراد بالكيل المكيال، فتناسب عطف الميزان عليه. وقيل المراد بالميزان الوزن فيناسب الكيل، والفاء في { فأوفوا } للعطف على اعبدوا. قوله { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ } البخس النقص، وهو يكون بالتعييب للسلعة أو التزهيد فيها، أو المخادعة لصاحبها والاحتيال عليه، وكل ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، وظاهر قوله { أَشْيَاءهُمْ } أنهم كانوا يبخسون الناس في كل الأشياء. وقيل كانوا مكاسين، يمكسون كل ما دخل إلى أسواقهم، ومنه قول زهير
أفي كل أسواق العراق إتاوة وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم   
قوله { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا } قد تقدّم تفسيره قريباً، ويدخل تحته قليل الفساد وكثيره، ودقيقه وجليله، والإشارة بقوله { ذٰلِكُمْ } إلى العمل بما أمرهم به، وترك ما نهاهم عنه، والمراد بالخيرية هنا الزيادة المطلقة، لأنه لا خير في عدم إيفاء الكيل والوزن، وفي بخس الناس، وفي الفساد في الأرض أصلاً. قوله { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صِرٰطٍ تُوعِدُونَ } الصراط الطريق، أي لا تقعدوا بكل طريق توعدون الناس بالعذاب. قيل كانوا يقعدون في الطرقات المفضية إلى شعيب، فيتوعدون من أراد المجيء إليه، ويقولون إنه كذاب فلا تذهب إليه، كما كانت قريش تفعله مع النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والسديّ، وغيرهم. وقيل المراد القعود على طرق الدين ومنع من أراد سلوكها. وليس المراد به القعود على الطرق حقيقة. ويؤيده { وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِهِ } وقيل المراد بالآية النهي عن قطع الطريق، وأخذ السلب، وكان ذلك من فعلهم. وقيل إنهم كانوا عشارين يأخذون الجباية في الطرق من أموال الناس، فنهوا عن ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5