الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ }

قوله { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَـٰلِحًا } معطوف على ما تقدّم، أي وأرسلنا إلى ثمود أخاهم، وثمود قبيلة سموا باسم أبيهم، وهو ثمود بن عاد بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وصالح عطف بيان، وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود، وامتناع ثمود من الصرف لأنه جعل اسماً للقبيلة. وقال أبو حاتم لم ينصرف لأنه أعجميّ. قال النحاس وهو غلط لأنه من الثمد، وهو الماء القليل، وقد قرأ القراءأَلا إِنَ ثموداً كفروا ربهم } هود 68 على أنه اسم للحيّ، وكانت مساكن ثمود الحجر، بين الحجاز والشام إلى وادي القرى. قوله { قَالَ يَـاقَوْم ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } قد تقدّم تفسيره في قصة نوح. { قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ } أي معجزة ظاهرة، وهي إخراج الناقة من الحجر الصلد. وجملة { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ ءايَةً } مشتملة على بيان البينة المذكورة، وانتصاب { آية } على الحال. والعامل فيها معنى الإشارة، وفي إضافة الناقة إلى الله تشريف لها وتكريم. قوله { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ ٱللَّهِ } أي دعوها تأكل في أرض الله، فهي ناقة الله، والأرض أرضه فلا تمنعوها مما ليس لكم، ولا تملكونه، { وَلاَ تَمَسُّوهَا } بشيء من السوء، أي لا تتعرّضوا لها بوجه من الوجوه التي تسوءها. قوله { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } هو جواب النهي، أي إذا لم تتركوا مسها بشيء من السوء أخذكم عذاب أليم أي شديد الألم. قوله { وَٱذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ } أي استخلفكم في الأرض أو جعلكم ملوكاً فيها، كما تقدّم في قصة هود. { وَبَوَّأَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ } أي جعل لكم فيها مباءة، وهي المنزل الذي تسكنونه { تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا } أي تتخذون من سهولة الأرض قصوراً، أو هذه الجملة مبينة لجملة { وبوّأكم في الأرض } ، وسهول الأرض ترابها، يتخذون منه اللبن والآجر، ونحو ذلك، فيبنون به القصور. { وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتًا } أي تتخذون في الجبال التي هي صخور بيوتاً تسكنون فيها، وقد كانوا لقوّتهم وصلابة أبدانهم ينحتون الجبال فيتخذون فيها، كهوفاً يسكنون فيها، لأن الأبنية والسقوف كانت تفنى قبل فناء أعمارهم. وانتصاب { بيوتاً } على أنها حال مقدّرة، أو على أنها مفعول ثان لـ { تنحتون } على تضمينه معنى { تتخذون }. قوله { فَٱذْكُرُواْ ءالآء ٱللَّهِ } تقدّم تفسيره في القصة التي قبل هذه. قوله { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأرْضِ مُفْسِدِينَ } العثي والعثو لغتان، وقد تقدم تحقيقه في البقرة بما يغني عن الإعادة. { قَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ } أي قال الرؤساء المستكبرون من قوم صالح للمستضعفين، الذين استضعفهم المستكبرون، و { لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ } بدل من الذين { استضعفوا } ، بإعادة حرف الجر، بدل البعض من الكل، لأن في المستضعفين من ليس بمؤمن، هذا على عود ضمير { منهم } إلى الذين استضعفوا، فإن عاد إلى قومه كان بدل كل من المستضعفين، ومقول القول { أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَـٰلِحاً مُّرْسَلٌ مّن رَّبّهِ } قالوا هذا على طريق الاستهزاء والسخرية.

السابقالتالي
2 3