الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قَالَ يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَـٰلَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ }

لما بيّـن سبحانه كمال قدرته، وبديع صنعته في الآيات السابقة، ذكر هنا أقاصيص الأمم وما فيها من تحذير الكفار ووعيدهم، لتنبيه هذه الأمة على الصواب، وأن لا يقتدوا بمن خالف الحق من الأمم السالفة. واللام جواب قسم محذوف. وهو أول الرسل إلى أهل الأرض بعد آدم. وقد تقدّم ذكر نوح في آل عمران، فأغني عن الإعادة هنا. وما قيل من أن إدريس قبل نوح، فقال ابن العربي إنه وهم. قال المازري فإن صح ما ذكره المؤرخون كان محمولاً على أن إدريس كان نبياً غير مرسل. وجملة { فقال يا قوم اعبدوا الله } استئنافية جواب سؤال مقدر. قوله { ما لكم من إلٰه غيره } هذه الجملة في حكم العلة، لقوله { اعبدوا } أي اعبدوه، لأنه لم يكن لكم إلٰه غيره، حتى يستحق منكم أن يكون معبوداً. قرأ نافع، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، وابن كثير، وابن عامر برفع { غيره } على أنه نعت لإلٰه على الموضع. وقرأ الكسائي بالخفض في جميع القرآن، على أنه نعت على اللفظ. وأجاز الفراء والكسائي النصب على الاستثناء. يعني ما لكم من إلٰه إلا إياه. وقال أبو عمرو ما أعرف الجرّ ولا النصب. ويردّه أن بعض بني أسد ينصبون «غير» في جميع الأحوال، ومنه قول الشاعر
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات أو قال   
وجملة { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } جملة متضمنة لتعليل الأمر بالعبادة، أي إن لم تعبدوه، فإني أخاف عليكم عذاب يوم القيامة، أو عذاب يوم الطوفان. قوله { قال الملأ من قومه } جملة استئنافية جواب سؤال مقدّر. والملأ أشراف القوم ورؤساؤهم. وقيل هم الرجال، وقد تقدّم بيانه في البقرة. والضلال العدول عن طريق الحق والذهاب عنه، أي إنا لنراك في دعائك إلى عبادة الله وحده في ضلال عن طريق الحق. وجملة { قال يا قوم } استئنافية أيضاً، جواب سؤال مقدّر. { ليس بي ضلالة } كما تزعمون { ولكني رسول من رب العالمين } أرسلني إليكم لسوق الخير إليكم، ودفع الشرّ عنكم، نفي عن نفسه الضلالة، وأثبت لها ما هو أعلى منصباً وأشرف رفعة، وهو أنه رسول الله إليهم. وجملة { أبلغكم رسالات ربي } في محل رفع، على أنها صفة لرسول، أو هي مستأنفة مبينة لحال الرسول. والرسالات ما أرسله الله به إليهم مما أوحاه إليه { وأنصح لكم } عطف على { أبلغكم } يقال نصحته ونصحت له، وفي زيادة اللام دلالة على المبالغة في إمحاض النصح. قال الأصمعي الناصح الخالص من الغلّ، وكل شيء خلص فقد نصح، فمعنى أنصح هنا أخلص النية لكم عن شوائب الفساد، والاسم النصيحة. وجملة { وأعلم من الله ما لا تعلمون } معطوفة على الجملة التي قبلها، مقررة لرسالته، ومبينة لمزيد علمه، وأنه يختص بعلم الأشياء التي لا يعلمونها بإخبار الله له بذلك.

السابقالتالي
2