الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ } * { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله { أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَاء } الإفاضة التوسعة، يقال أفاض عليه نعمه، طلبوا منهم أن يواسوهم بشيء من الماء، أو بشيء مما رزقهم الله من غيره من الأشربة أو الأطعمة، فأجابوا بقولهم { إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا } أي الماء وما رزقهم الله من غيره { عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } فلا نواسيكم بشيء مما حرّمه الله عليكم. وقيل إن هذا النداء من أهل النار كان بعد دخول أهل الأعراف الجنة، وجملة { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا } في محل جر صفة الكافرين، وقد تقدّم تفسير اللهو واللعب والغرر. قوله { فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ } أي نتركهم في النار { كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـٰذَا } " الكاف " نعت مصدر محذوف، و " ما " مصدرية، أي نسياناً كنسيانهم لقاء يومهم هذا. قوله { وَمَا كَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَجْحَدُونَ } معطوف على ما نسوا، أي كما نسوا، وكما كانوا بآياتنا يجحدون، أي ينكرونها. واللام في { وَلَقَدْ جِئْنَـٰهُمْ } جواب القسم. والمراد بالكتاب الجنس، إن كان الضمير للكفار جميعاً، وإن كان للمعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم، فالمراد بالكتاب القرآن، والتفصيل التبيين، و { عَلَىٰ عِلْمٍ } في محل نصب على الحال، أي عالمين حال كونه { هُدًى } للمؤمنين { وَرَحْمَةً } لهم. قال الكسائي والفراء ويجوز «هدى ورحمة» بالخفض على النعت لكتاب. قوله { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } بالهمز من آل، وأهل المدينة يخفون الهمزة. والنظر الانتظار، أي هل ينتظرون إلا ما وعدوا به في الكتاب من العقاب الذي يؤول الأمر إليه. وقيل تأويله جزاؤه. وقيل عاقبته. والمعنى متقارب. و { يوم } ظرف لـ { يقول } أي يوم يأتي تأويله، وهو يوم القيامة { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ } أي تركوه من قبل أن يأتي تأويله { قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ } الذي أرسلهم الله به إلينا، { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء } استفهام منهم، ومعناه التمني { فَيَشْفَعُواْ لَنَا } منصوب لكونه جواباً للاستفهام. قوله { أَوْ نُرَدُّ } قال الفراء المعنى أو هل نردّ { فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ } وقال الزجاج { نردّ } عطف على المعنى، أي هل يشفع لنا أحد، أو نردّ. وقرأ ابن أبي إسحاق «أو نردّ فنعمل» بنصبهما، كقول امرىء القيس
فقلت له لا تبك عيناً إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا   
وقرأ الحسن برفعهما. ومعنى الآية هل لنا شفعاء يخلصونا مما نحن فيه من العذاب، أو هل نُردُّ إلى الدنيا فنعمل صالحاً غير ما كنا نعمل من المعاصي { قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ } أي لم ينتفعوا بها، فكانت أنفسهم بلاء عليهم ومحنة لهم، فكأنهم خسروها كما يخسر التاجر رأس ماله. وقيل خسروا النعيم وحظ الأنفس { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي افتراؤهم أو الذي كانوا يفترونه.

السابقالتالي
2 3 4