الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } * { يَابَنِيۤ ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ } * { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } * { قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ }

قوله { وَلِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } أي وقت معين محدود ينزل فيه عذابهم من الله أو يميتهم فيه، ويجوز أن تحمل الآية على ما هو أعم من الأمرين جميعاً. والضمير في { أَجَلُهُمْ } لكل أمة أي إذا جاء أجل كل أمة من الأمم كان ما قدّره عليهم واقعاً في ذلك الأجل، لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون عنه ساعة. قال أبو السعود ما معناه إن قوله { وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } عطف على { يستأخرون } لكن " لا " لبيان انتفاء التقدّم، مع إمكانه في نفسه كالتأخر، بل للمبالغة في انتفاء التأخر بنظمه في سلك المستحيل عقلاً. وقيل المراد بالمجيء الدنوّ بحيث يمكن التقدّم في الجملة كمجيء اليوم الذي ضرب لهلاكهم ساعة منه وليس بذاك. وقرأ ابن سيرين " آجالهم " بالجمع، وخصّ الساعة بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات. وقد استدل بالآية الجمهور على أن كل ميت يموت بأجله، وإن كان موته بالقتل أو التردي أو نحو ذلك، والبحث في ذلك طويل جدّاً، ومثل هذه الآية قوله تعالىمَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتأخِرُونَ } الحجر 5، المؤمنون43. قوله { يَـٰبَنِى آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ } الآية " إن " هي الشرطية، و " ما " زائدة للتوكيد، ولهذا لزمت الفعل النون المؤكدة. والقصص قد تقدّم معناه، والمعنى إن أتاكم رسل كائنون منكم يخبرونكم بأحكامي ويبينونها لكم، { فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ } أي اتقى معاصي الله، وأصلح حال نفسه باتباع الرسل وإجابتهم { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } وهذه الجملة الشرطية هي الجواب للشرط الأوّل. وقيل جوابه ما دلّ عليه الكلام، أي إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي، فأطيعوهم. والأوّل أولى، وبه قال الزجاج. { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } التي يقصها عليهم رسلنا { وَٱسْتَكْبَرُواْ } عن إجابتها، والعمل بما فيها { فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } لا يخرجون منها، بسبب كفرهم بتكذيب الآيات والرسل. { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِـئَايَـٰتِهِ } أي لا أحد أظلم منه. وقد تقدّم تحقيقه. والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى المكذبين المستكبرين { يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } أي مما كتب الله لهم من خير وشرّ. وقيل ينالهم من العذاب بقدر كفرهم. وقيل الكتاب هنا القرآن لأن عذاب الكفار مذكور فيه. وقيل هو اللوح المحفوظ. قوله { حَتَّىٰ إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا } أي إلى غاية هي هذه. وجملة { يَتَوَفَّوْنَهُمْ } في محل نصب على الحال. والمراد بالرسل هنا ملك الموت وأعوانه. وقيل { حتى } هنا هي التي للابتداء. ولكن لا يخفى أن كونها لابتداء الكلام بعدها لا ينافي كونها غاية لما قبلها. والاستفهام في قوله { أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } للتقريع والتوبيخ، أي أين الآلهة التي كنتم تدعونها من دون الله وتعبدونها؟ وجملة { قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا } استئنافية بتقدير سؤال وقعت هي جواباً عنه، أي ذهبوا عنا وغابوا فلا ندري أي هم؟ { وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰفِرِينَ } أي أقرّوا بالكفر على أنفسهم.

السابقالتالي
2 3