الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤمۤصۤ } * { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } * { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ }

قوله { المص } قد تقدّم في فاتحة سورة البقرة ما يغني عن الإعادة، وهو إما مبتدأ وخبره { كتاب } ، أي { المص } حروف { كِتَـٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ } أو هو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا «المص» أي المسمى به، وأما إذا كانت هذه الفواتح مسرودة على نمط التعديد فلا محل له، و { كتاب } خبر المبتدأ على الوجه الأوّل، أو خبر مبتدأ محذوف على الثاني، أي هو كتاب. قال الكسائي أي هذا كتاب، و { أنزل إليك } صفة له. { فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ } الحرج الضيق، أي لا يكن في صدرك ضيق منه، من إبلاغه إلى الناس مخافة أن يكذبوك ويؤذوك، فإن الله حافظك وناصرك. وقيل المراد لا يضق صدرك حيث لم يؤمنوا به ولم يستجيبوا لك { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ } ، وقال مجاهد وقتادة الحرج هنا الشك، لأن الشاك ضيق الصدر، أي لا تشك في أنه منزل من عند الله، وعلى هذا يكون النهي له صلى الله عليه وسلم من باب التعريض، والمراد أمته، أي لا يشك أحد منهم في ذلك، والضمير في { منه } راجع إلى الكتاب، فعلى الوجه الأوّل يكون على تقدير مضاف، أي من إبلاغه، وعلى الثاني يكون التقدير من إنزاله، والضمير في { لِتُنذِرَ بِهِ } راجع إلى الكتاب، أي لتنذر الناس بالكتاب الذي أنزلناه إليك، وهو متعلق بأنزل، أي أنزل إليك لإنذارك للناس به، أو متعلق بالنهي، لأن انتفاء الشك في كونه منزلاً من عند الله، أو انتفاء الخوف من قومه يقوّيه على الانذار ويشجعه، لأن المتيقن يقدم على بصيرة، ويباشر بقوّة نفس. قوله { وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } الذكرى التذكير. قال البصريون الذكرى في محل رفع على إضمار مبتدأ. وقال الكسائي هي في محل رفع عطفاً على كتاب، ويجوز النصب على المصدر، أي وذكر به ذكرى قاله البصريون. ويجوز الجر حملاً على موضع { لتنذر } أي للإنذار والذكرى، وتخصيص الذكرى بالمؤمنين، لأنهم الذين ينجع فيهم ذلك، وفيه إشارة إلى تخصيص الإنذار بالكافرين. قوله { ٱتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ } يعني الكتاب، ومثله السنة لقولهوَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } الحشر 7 ونحوها من الآيات، وهو أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته. وقيل هو أمر للأمة بعد أمره صلى الله عليه وسلم بالتبليغ، وهو منزل إليهم بواسطة إنزاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } نهي للأمة عن أن يتبعوا أولياء من دون الله يعبدونهم ويجعلونهم شركاء لله، فالضمير على هذا في { مِن دُونِهِ } يرجع إلى ربّ، ويجوز أن يرجع إلى «ما» في { ما أنزل إليكم } أي لا تتبعوا من دون كتاب الله أولياء تقلدونهم في دينكم، كما كان يفعله أهل الجاهلية من طاعة الرؤساء فيما يحللونه لهم ويحرمونه عليهم.

السابقالتالي
2 3