الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } * { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } * { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }

قوله { خُذِ ٱلْعَفْوَ } لما عدّد الله ما عدده من أحوال المشركين وتسفيه رأيهم وضلال سعيهم، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ العفو من أخلاقهم. يقال أخذت حقي عفواً، أي سهلاً. وهذا نوع من التيسير الذي كان يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في الصحيح أنه كان يقول " يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا " والمراد بالعفو هنا ضد الجهد. وقيل المراد خذ العفو من صدقاتهم، ولا تشدّد عليهم فيها وتأخذ ما يشق عليهم. وكان هذا قبل نزول فريضة الزكاة { وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } أي بالمعروف. وقرأ عيسى بن عمر «بالعُرف» بضمتين، وهما لغتان. والعرف والمعروف والعارفة كل خصلة حسنة ترتضيها العقول، وتطمئن إليها النفوس، ومنه قول الشاعر
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس   
{ وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ } أي إذا أقمت الحجة في أمرهم بالمعروف فلم يفعلوا، فأعرض عنهم ولا تمارهم، ولا تسافههم مكافأة لما يصدر منهم من المراء والسفاهة. قيل وهذه الآية هي من جملة ما نسخ بآية السيف، قاله عبد الرحمن بن زيد وعطاء. وقيل هي محكمة، قاله مجاهد وقتادة. قوله { وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ } النزغ الوسوسة، وكذا النغز والنخس. قال الزجاج النزغ أدنى حركة تكون، ومن الشيطان أدنى وسوسة، وأصل النزغ الفساد، يقال نزغ بيننا أي أفسد، وقيل النزغ الإغواء. والمعنى متقارب أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم إذا أدرك من وسوسة الشيطان أن يستعيذ بالله وقيل إنه لما نزل قوله { خُذِ ٱلْعَفْوَ } قال النبي صلى الله عليه وسلم " كيف ياربّ بالغضب؟ " فنزلت، وجملة { إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } علة لأمره بالاستعاذة، أي استعذ به والتجىء إليه، فإنه يسمع ذلك منك ويعلم به. وجملة { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـئِفٌ مّنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ تَذَكَّرُواْ } مقرّرة لمضمون ما قبلها، أي إن شأن الذين يتقون الله، وحالهم هو التذكر لما أمر الله به من الاستعاذة به، والالتجاء إليه، عند أن يمسهم طائف من الشيطان وإن كان يسيراً. قرأ أهل البصرة " طيف " وكذا أهل مكة. وقرأ أهل المدينة والكوفة { طَـائِفٌ }. وقرأ سعيد بن جبير " طيف " بالتشديد. قال النحاس كلام العرب في مثل هذا " طيف " بالتخفيف على أنه مصدر من طاف يطيف. قال الكسائي هو مخفف مثل ميت وميت. قال النحاس ومعناه في اللغة ما يتخيل في القلب أو يرى في النوم، وكذا معنى طائف. قال أبو حاتم سألت الأصمعي عن طيف فقال ليس في المصادر فيعل.

السابقالتالي
2 3 4 5