الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } * { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } * { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }

قوله { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ } هذا خطاب للمشركين، أي وإن تدعوا هؤلاء الشركاء إلى الهدى والرشاد بأن تطلبوا منهم أن يهدوكم ويرشدوكم لا يتبعوكم ولا يجيبوكم إلى ذلك، وهو دون ما تطلبونه منهم من جلب النفع، ودفع الضرّ، والنصر على الأعداء. قال الأخفش معناه وإن تدعوهم، أي الأصنام إلى الهدى لا يتبعوكم. وقيل المراد من سبق في علم الله أنه لا يؤمن. وقرىء { لا يتبعوكم } مشدّداً ومخففاً وهما لغتان. وقال بعض أهل اللغة أتبعه مخففاً إذا مضى خلفه ولم يدركه، واتبعه مشدّداً إذا مضى خلفه فأدركه. وجملة { سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَـٰمِتُونَ } مقرّرة لمضمون ما قبلها، أي دعاؤكم لهم عند الشدائد وعدمه سواء، لا فرق بينهما لأنهم لا ينفعون ولا يضرون ولا يسمعون ولا يجيبون، وقال { أَمْ أَنتُمْ صَـٰمِتُونَ } مكان أصمتم لما في الجملة الاسمية من المبالغة. وقال محمد بن يحيى إنما جاء بالجملة الاسمية لكونها رأس آية، يعني لمطابقة { وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } وما قبله. قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } أخبرهم سبحانه بأن هؤلاء الذين جعلتموهم آلهة هم عباد لله كما أنتم عباد له مع أنكم أكمل منهم، لأنكم أحياء تنطقون وتمشون، وتسمعون وتبصرون. وهذه الأصنام ليست كذلك، ولكنها مثلكم في كونها مملوكة لله مسخرة لأمره. وفي هذا تقريع لهم بالغ، وتوبيخ لهم عظيم. وجملة { فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } مقررة لمضمون ما قبلها من أنهم إن دعوهم إلى الهدى لا يتبعوهم، وأنهم لا يستطيعون شيئاً، أي ادعوا هؤلاء الشركاء، فإن كانوا كما تزعمون { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } فيما تدّعونه لهم من قدرتهم على النفع والضرّ. والاستفهام في قوله { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ }؟ وما بعده للتقريع والتوبيخ، أي هؤلاء الذين جعلتموهم شركاء ليس لهم شيء من الآلات التي هي ثابتة لكم، فضلاً عن أن يكونوا قادرين على ما تطلبونه منهم. فإنهم كما ترون هذه الأصنام التي تعكفون على عبادتها ليست لهم { أَرْجُلٌ } يَمْشُونَ بِهَا في نفع أنفسهم، فضلاً عن أن يمشوا في نفعكم، وليس { لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا } كما يبطش غيرهم من الأحياء، وليس { لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا } كما تبصرون، وليس { لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُون بِهَا } كما تسمعون، فكيف تدعون من هم على هذه الصفة من سلب الأدوات، وبهذه المنزلة من العجز، و " أم " في هذه المواضع هي المنطقة التي بمعنى بل، والهمزة كما ذكره أئمة النحو. وقرأ سعيد بن جبير " إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ " بتخفيف " إن " ونصب " عبادا " أي ما الذين تدعون { مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادًا أَمْثَـٰلَكُم } على إعمال إن النافية عمل ما الحجازية.

السابقالتالي
2