الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } * { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } * { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ } * { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ }

قوله { ويا ءادَمَ } هو على تقدير القول، أي وقلنا يا آدم. قال له هذا القول، بعد إخراج إبليس من الجنة، أو من السماء، أو من بين الملائكة كما تقدّم. وقد تقدّم معنى الإسكان، ومعنى { ولا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } في البقرة. ومعنى { مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } من أيّ نوع من أنواع الجنة شئتما أكله، ومثله ما تقدّم من قوله تعالىوَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } البقرة 35 وحذف النون من { فَتَكُونَا } لكونه معطوفاً على المجزوم، أو منصوباً على أنه جواب النهي. قوله { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ } الوسوسة الصوت الخفي، والوسوسة حديث النفس، يقال وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواساً بكسر الواو، والوسوسة بالفتح الاسم مثل الزلزلة والزلزال، ويقال لهمس الصائد والكلاب، وأصوات الحلي وسواس. قال الأعشى
تسمع للحليّ وسواساً إذا انصرفت   
والوسواس اسم الشيطان. ومعنى وسوس له وسوس إليه، أو فعل الوسوسة لأجله. قوله { لِيُبْدِيَ لَهُمَا } أي ليظهر لهما، واللام للعاقبة، كما في قولهلِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } القصص 8. وقيل هي لام كي، أي فعل ذلك ليتعقبه الإيذاء، أو لكي يقع الإيذاء. قوله { مَا وُورِيَ } أي ما ستر وغطي { عَنْهُمَا مِنَ سَوآتِهِما } سمي الفرج سوءة، لأن ظهوره يسوء صاحبه، أراد الشيطان أن يسوءهما بظهور ما كان مستوراً عنهما من عوراتهما، فإنهما كانا لا يريان عورة أنفسهما، ولا يراها أحدهما من الآخر، وإنما لم تقلب الواو في { مَا وُورِيَ } همزة، لأن الثانية مدة. قيل إنما بدت عورتهما لهما لا لغيرهما، وكان عليهما نور يمنع من رؤيتها { وَقَالَ } أي الشيطان لهما { مَا نَهَـٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ } أكل هذه الشجرة { إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } " أن " في موضع نصب، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره ولا كراهة أن تكونا ملكين، هكذا قال البصريون. وقال الكوفيون التقدير لئلا تكونا ملكين { أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ } في الجنة، أو من الذين لا يموتون. قال النحاس فضل الله الملائكة على جميع الخلق في غير موضع في القرآن، فمنها هذا، ومنهاوَلا أَقُولُ إِنّى مَلَكٌ } هود 31، ومنهاوَلاَ ٱلْمَلَـئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } النساء 172. قال ابن فورك لا حجة في هذه الآية، لأنه يحتمل أن يريد ملكين في أن لا يكون لهما شهوة في الطعام. وقد اختلف الناس في هذه المسألة اختلافاً كثيراً، وأطالوا الكلام في غير طائل، وليست هذه المسألة مما كلفنا الله بعلمه، فالكلام فيها لا يعنينا. وقرأ ابن عباس، ويحيـى بن أبي كثير، والضحاك «ملكين» بكسر اللام، وأنكر أبو عمرو بن العلاء هذه القراءة وقال لم يكن قبل آدم ملك فيصيرا ملكين. وقد احتج من قرأ بالكسر بقوله تعالى

السابقالتالي
2 3