الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } * { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

قوله { وَٱتْلُ } معطوف على الأفعال المقدّرة في القصص السابقة وإيراد هذه القصة منه سبحانه، وتذكير أهل الكتاب بها، لأنها كانت مذكورة عندهم في التوراة. وقد اختلف في هذا الذي أوتي الآيات { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } فقيل هو بلعم بن باعوراء، وكان قد حفظ بعض الكتب المنزلة. وقيل كان قد أوتي النبوّة، وكان مجاب الدعوة، بعثه الله إلى مدين يدعوهم إلى الإيمان، فأعطوه الأعطية الواسعة، فاتبع دينهم، وترك ما بعث به، فلما أقبل موسى في بني إسرائيل لقتال الجبارين، سأل الجبارون بلعم بن باعوراء أن يدعو على موسى، فقام ليدعو عليه فتحوّل لسانه بالدعاء على أصحابه، فقيل له في ذلك فقال لا أقدر على أكثر مما تسمعون. واندلع لسانه على صدره، فقال قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة، وسأمكر لكم، وإني أرى أن تخرجوا إليهم فتياتكم، فإن الله يبغض الزنا، فإن وقعوا فيه هلكوا، فوقع بنو إسرائيل في الزنا، فأرسل الله عليهم الطاعون، فمات منهم سبعون ألفاً. وقيل إن هذا الرجل اسمه باعم، وهو من بني إسرائيل. وقيل المراد به أمية بن أبي الصلت الثقفي، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولاً في ذلك، فلما أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به. وقيل هو أبو عامر بن صيفي وكان يلبس المسوح في الجاهلية، فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل نزلت في قريش آتاهم الله آياته التي أنزلها على محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا بها. وقيل نزلت في اليهودوالنصارى، انتظروا خروج محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به. قوله { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } أي من هذه الآيات التي أوتيها، كما تنسلخ الشاة عن جلدها، فلم يبق له بها اتصال { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } عند انسلاخه عن الآيات، أي لحقه فأدركه، وصار قريناً له، أو فأتبعه خطواته، وقرىء «فاتبعه» بالتشديد بمعنى تبعه { فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } المتمكنين في الغواية وهم الكفار. قوله { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـٰهُ بِهَا } الضمير يعود إلى الذي أوتي الآيات، والمعنى لو شئنا رفعه بما آتيناه من الآيات لرفعناه بها، أي بسببها، ولكن لم نشأ ذلك لانسلاخه عنها، وتركه للعمل بها. وقيل المعنى ولو شئنا لأمتناه قبل أن يعصي فرفعناه إلى الجنة بها، أي بالعمل بها { وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ } أصل الإخلاد اللزوم، يقال أخلد فلان بالمكان إذا قام به ولزمه، والمعنى هنا أنه مال إلى الدنيا ورغب فيها، وآثرها على الآخرة { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } أي اتبع ما يهواه، وترك العمل بما يقتضيه العلم الذي علمه الله، وهو حطام الدنيا.

السابقالتالي
2 3 4