الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

قوله { وَإِذْ } منصوب بفعل مقدّر معطوف على ما قبله كما تقدّم. قوله { مِن بَنِى ءادَمَ } استدلّ بهذا على أن المراد بالمأخوذين هنا هم ذرية بني آدم، أخرجهم الله من أصلابهم نسلاً بعد نسل. وقد ذهب إلى هذا جماعة من المفسرين، قالوا ومعنى { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ } دلهم بخلقه على أنه خالقهم، فقامت هذه الدلالة مقام الإِشهاد، فتكون هذه الآية من باب التمثيل، كما في قوله تعالىفَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } فصلت 11. وقيل المعنى أن الله سبحانه أخرج الأرواح قبل خلق الأجسام، وأنه جعل فيها من المعرفة ما فهمت به خطابه سبحانه. وقيل المراد ببني آدم هنا آدم نفسه، كما وقع في غير هذا الموضع. والمعنى أن الله سبحانه لما خلق آدم مسح ظهره، فاستخرج منه ذريته، وأخذ عليهم العهد، وهؤلاء هم عالم الذرّ، وهذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه، ولا المصير إلى غيره، لثبوته مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وموقوفاً على غيره من الصحابة، ولا ملجىء للمصير إلى المجاز، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. وسنذكر آخر هذا البحث إن شاء الله بعض ما ورد في ذلك. قوله { مِن ظُهُورِهِمْ } هو بدل من بني آدم، بدل بعض من كل. وقيل بدل اشتمال قوله { ذرياتهم } ، قرأ الكوفيون وابن كثير «ذريتهم» بالتوحيد، وهي تقع على الواحد والجمع. وقرأ الباقون «ذرياتهم» بالجمع { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ } أي أشهد كل واحد منهم { أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ } أي قائلاً ألست بربكم، فهو على إرادة القول { قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَا } أي على أنفسنا بأنك ربنا. قوله { أَن تَقُولُواْ } ، قرأ أبو عمرو بالياء التحتية في هذا وفي قوله { أَوْ يَقُولُواْ } على الغيبة كما كان فيما قبله على الغيبة، وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب. والمعنى كراهة أن يقولوا، أو لئلا يقولوا، أي فعلنا ذلك الأخذ والإشهاد، كراهة أن يقولوا { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَـٰفِلِينَ } أي عن كون الله ربنا وحده لا شريك له. قوله { أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابَاؤُنَا مِن قَبْلُ } معطوف على { تَقُولُواْ } الأوّل أي فعلنا ذلك كراهة أن تعتذروا بالغفلة، أو تنسبوا الشرك إلى آبائكم دونكم، و " أَوْ " لمنع الخلوّ دون الجمع، فقد يعتذرون بمجموع الأمرين { مِن قَبْلُ } أي من قبل زماننا { وَكُنَّا ذُرّيَّةً مّن بَعْدِهِمْ } لا نهتدي إلى الحق، ولا نعرف الصواب { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } من آبائنا، ولا ذنب لنا لجهلنا وعجزنا عن النظر، واقتفائنا آثار سلفنا، بين الله سبحانه في هذه الحكمة التي لأجلها أخرجهم من ظهر آدم، وأشهدهم على أنفسهم، وأنه فعل ذلك بهم لئلا يقولوا هذه المقالة يوم القيامة، ويعتلوا بهذه العلة الباطلة، ويعتذروا بهذه المعذرة الساقطة { وَكَذٰلِكَ } أي ومثل ذلك التفصيل { نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إلى الحق، ويتركون ما هم عليه من الباطل.

السابقالتالي
2 3