الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ }

قوله { وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } معطوف على ما قبله، أي واسألهم وقت تأذن ربك، وتأذن تفعل من الأيذان، وهو الإعلام. قال أبو علي الفارسي آذن بالمد أعلم، وأذّن بالتشديد نادى. وقال قوم كلاهما بمعنى أعلم، كما يقال أيقن وتيقن، والمعنى في الآية واسألهم وقت أن وقع الإعلام لهم من ربك { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } قيل وفي هذا الفعل معنى القسم كعلم الله، وشهد الله، ولذلك أجيب بما يجاب به القسم، حيث قال { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } أي ليرسلنّ عليهم، ويسلطن، كقولهبَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } الإسراء 5 { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } غاية لسومهم سوء العذاب ممن يبعثه الله عليهم، وقد كانوا أقمأهم الله هكذا أذلاء مستضعفين معذبين بأيدي أهل الملل، وهكذا هم في هذه الملة الإسلامية، في كل قطر من أقطار الأرض، في الذلة المضروبة عليهم والعذاب والصغار، يسلمون الجزية بحقن دمائهم، ويمتهنهم المسلمون فيما فيه ذلة من الأعمال التي يتنزه عنها غيرهم من طوائف الكفار. ومعنى { يَسُومُهُمْ } يذيقهم. وقد تقدّم بيان أصل معناه، ثم علل ذلك بقوله { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } يعاجل به في الدنيا كما وقع لهؤلاء { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي كثير الغفران والرحمة. { وَقَطَّعْنَـٰهُمْ فِي ٱلأرْضِ } أي فرّقناهم في جوانبها، أو شتتنا أمرهم، فلم تجتمع لهم كلمة، و { أُمَمًا } منتصب على الحال، أو مفعول ثان لقطعنا، على تضمينه معنى صيرنا، وجملة { مّنْهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ } بدل من { أمماً } ، قيل هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومن مات قبل البعثة المحمدية غير مبدّل. وقيل هم الذين سكنوا وراء الصين كما تقدّم بيانه قبل هذا { وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } أي دون هذا الوصف الذي اتصفت به الطائفة الأولى وهو الصلاح، ومحل { دُونِ ذَلِكَ } الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير ومنهم أناس دون ذلك، والمراد بهؤلاء هم من لم يؤمن، بل انهمك في المخالفة لما أمره الله به. قال النحاس { دُونِ } منصوب على الظرف، ولا نعلم أحداً رفعه { وَبَلَوْنَـٰهُمْ بِٱلْحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّيّئَاتِ } أي امتحناهم بالخير والشرّ رجاء أن يرجعوا مما هم من الكفر والمعاصي. { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } المراد بهم أولاد الذين قطعهم الله في الأرض. قال أبو حاتم الخلف بسكون اللام الأولاد، الواحد والجمع سواء. والخلف بفتح اللام البدل ولداً كان أو غيره. وقال ابن الأعرابي الخلف بالفتح الصالح، وبالسكون الطالح. قال لبيد
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب   
ومنه قيل للرديء من الكلام خلف بالسكون، وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر، ومنه قول حسان ابن ثابت

السابقالتالي
2 3