الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } * { وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } * { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } * { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

قوله { وَمِن قَوْمِ مُوسَى } لما قص الله علينا ما وقع من السامريّ وأصحابه، وما حصل من بني إسرائيل من التزلزل في الدين، قص علينا سبحانه أن قوم موسى أمة مخالفة لأولئك الذين تقدّم ذكرهم، ووصفهم بأنهم { يَهْدُونَ بِٱلْحَقّ } أي يدعون الناس إلى الهداية حال كونهم متلبسين بالحق { وَبِهِ } أي بالحق { يَعْدِلُونَ } بين الناس في الحكم. وقيل هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم منهم. قوله { وَقَطَّعْنَـٰهُمُ ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا } الضمير يرجع إلى قوم موسى المتقدّم ذكرهم، لا إلى هؤلاء الأمة منهم الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، والمعنى صيرناهم قطعاً متفرّقة، وميزنا بعضهم من بعض. وهذا من جملة ما قصه الله علينا من النعم التي أنعم بها على بني إسرائيل، والمعنى أنه ميز بعضهم من بعض حتى صاروا أسباطاً كل سبط معروف على انفراده لكل سبط نقيب، كما في قوله تعالىوَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً } المائدة 12 وقد تقدّم، وقوله { ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ } هو ثاني مفعولي { قطعنا } لتضمنه معنى التصيير. و { أسباطاً } تمييز له أو بدل منه. و { أُمَمًا } نعت للأسباط أو بدل منه. والأسباط جمع سبط وهو ولد الولد، صاروا اثنتي عشرة أمة من اثني عشر ولداً، وأراد بالأسباط القبائل، ولهذا أنث العدد، كما في قول الشاعر
وإن قريشاً كلها عشر أبطن وأنت بريء من قبائلها العشر   
أراد بالبطن القبيلة. وقد تقدّم تحقيق معنى الأسباط في البقرة الآية 58. وروى المفضل عن عاصم أنه قرأ " قطعناهم " مخففاً، وسماهم أمماً، لأن كل سبط كان جماعة كثيرة العدد، وكانوا مختلفي الآراء يؤمّ بعضهم غير ما يؤمه الآخر. { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى إِذِ ٱسْتَسْقَـٰهُ قَوْمُهُ } أي وقت استسقائهم له لما أصابهم العطش في التيه { أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } تفسير لفعل الايحاء { فَٱنبَجَسَتْ } عطف على مقدّر يدل عليه السياق، أي فضرب فانبجست، والانبجاس الانفجار، أي فانفجرت { مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا } بعدد الأسباط، لكل سبط عين يشربون منها { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } أي كل سبط منهم العين المختصة به التي يشرب منها. وقد تقدّم في البقرة ما فيه كفاية مغنية عن الإعادة. { وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَـٰمَ } أي جعلناه ظللاً عليهم في التيه، يسير بسيرهم ويقيم بإقامتهم { وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } أي الترنجبين والسماني كما تقدّم تحقيقه في البقرة { كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } أي وقلنا لهم كلوا من المستلذات التي رزقناكم { وَمَا ظَلَمُونَا } بما وقع منهم من المخالفة وكفران النعم وعدم تقديرها حق قدرها { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي كان ظلمهم مختصاً بهم مقصوراً عليهم، لا يجاوزهم إلى غيرهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6