الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ } * { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

قوله { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لّمِيقَـٰتِنَا } هذا شروع في بيان ما كان من موسى، ومن القوم الذين اختارهم، وسبعين مفعول { اختار } ، وقومه منصوب بنزع الخافض، أي من قومه على الحذف والإيصال، ومثله قوله الراعي
اخترتك الناس إذ رثت خلائقهم واعتل من كان يرجى عنده السول   
يريد اخترتك من الناس، ومعنى { لّمِيقَـٰتِنَا } للوقت الذي وقتناه له، بعد أن وقع من قومه ما وقع. والميقات الكلام الذي تقدم ذكره، لأن الله أمره أن يأتي إلى الطول في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه سبحانه من عبادة العجل، كذا قيل. والرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة. قيل إنهم زلزلوا حتى ماتوا، فلما رأى موسى أخذ الرجفة لهم { قَالَ رَبّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مّن قَبْلُ وَإِيَّـٰىَ } قاله عليه السلام تحسراً وتلهفاً، لأن سبب أخذ الرجفة لهم ما حكى الله عنهم من قولهموَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ } البقرة 55 على ما تقدّم في البقرة. وقيل هؤلاء السبعون غير من قالواأَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً } النساء 153 بل أخذتهم الرجفة، بسبب عدم انتهائهم عن عبادة العجل. وقيل إنهم قوم لم يرضوا بعبادة العجل، ولا نهوا السامريّ ومن معه عن عبادته، فأخذتهم الرجفة بسبب سكوتهم. والمعنى لو شئت إهلاكنا بذنوبنا قبل هذا الوقت اعترافاً منه عليه السلام بالذنب، وتلهفاً على ما فرط من قومه. والاستفهام في قوله { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَاء مِنَّا } للجحد، أي لست ممن يفعل ذلك، قاله ثقة منه برحمة الله. والمقصود منه الاستعطاف والتضرّع. وقيل معناه الدعاء والطلب، أي لا تهلكنا. قال المبرد المراد بالاستفهام استفهام الإعظام كأنه يقول لا تهلكنا وقد علم موسى أنه لا يهلك أحد بذنب غيره. ولكنه كقول عيسىإِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } المائدة 118. وقيل المراد بالسفهاء السبعون، والمعنى أتهلك بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء في قولهمأَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً } النساء 153. وقيل المراد بهم السامري وأصحابه. قوله { إِنْ هِىَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ } أي ما الفتنة التي وقع فيها هؤلاء السفهاء إلا فتنتك التي تختبر بها من شئت، وتمتحن بها من أردت. ولعله عليه السلام استفاد هذا من قوله سبحانهفإنا قد فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } طه 85 { تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِى مَن تَشَاء } أي تضلّ بهذه الفتنة من تشاء من عبادك وتهدي بها من تشاء منهم، ومثلهلِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } هود 7، ثم رجع إلا الاستعطاف والدعاء فقال { أَنتَ وَلِيُّنَا } أي المتولي لأمورنا { فَٱغْفِرْ لَنَا } ما أذنبناه { وَٱرْحَمْنَا } برحمتك التي وسعت كل شيء { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَـٰفِرِينَ } للذنوب. { وَٱكْتُبْ لَنَا فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } بتوفيقنا للأعمال الصالحة، أو تفضل علينا بإِفاضة النعم في هذه الدنيا من العافية، وسعة الرزق { وَفِي ٱلآخِرَةِ } أي واكتب لنا في الآخرة الجنة بما تجازينا به، أو بما تتفضل به علينا من النعيم في الآخرة.

السابقالتالي
2 3 4 5