الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } * { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

قوله { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ } يعني بني إسرائيل { ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ } أي يذلون ويمتهون بالخدمة لفرعون وقومه { مَشَـٰرِقَ ٱلأرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَا } منصوبان بأورثنا. وقال الكسائي والفراء إن الأصل في مشارق الأرض ومغاربها، جهات مغربها، ثم حذفت في فنصبا. والأوّل أظهر، لأنه يقال أورثته المال. والأرض هي مصر والشام، ومشارقها جهات مشرقها. ومغاربها، وهي التي كانت لفرعون وقومه من القبط. وقيل المراد جميع الأرض لأن داود وسليمان من بني إسرائيل، وقد ملكا الأرض. قوله { ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا } صفة للمشارق والمغارب. وقيل صفة الأرض. والمباركة فيها إخراج الزرع والثمار منها على أتمّ ما يكون، وأنفع ما يتفق. قوله { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ ٱلْحُسْنَىٰ } أي مضت واستمرت على التمام، والكلمة هيوَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } القصص 5، وهذا وعد من الله سبحانه بالنصر والظفر بالأعداء والاستيلاء على أملاكهم. و { الحسنى } صفة للكلمة. وهي تأنيث الأحسن. وتمام هذه الكلمة { عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ } بسبب صبرهم على ما أصيبوا به من فرعون وقومه. قوله { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ } التدمير الإهلاك، أي أهلكنا بالخراب ما كانوا يصنعونه من العمارات { وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } قرأ ابن عامر، وأبو بكر، عن عاصم «يعرشُون» بضم الراء. قال الكسائي هي لغة تميم. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة «يُعَرّشون» بتشديد الراء وضم حرف المضارعة. وقرأ الباقون بكسر الراء مخففة، أي ما كانوا يعرشونه من الجنات، ومنه قوله تعالىوَهُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَ جَنَّـٰتٍ مَّعْرُوشَـٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَـٰتٍ } الأنعام 141 وقيل معنى يعرشون يبنون، يقال عرش يعرش أي بنى يبني. قوله { وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْبَحْرَ } هذا شروع في بيان ما فعله بنو إسرائيل بعد الفراغ مما فعله فرعون وقومه. ومعنى جاوزنا ببني إسرائيل البحر جزناه بهم وقطعناه. وقرىء «جوزنا» بالتشديد، وهو بمعنى قراءة الجمهور { فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ } قرأ حمزة والكسائي «يعكفون» بكسر الكاف، وقرأ الباقون بضمها. يقال عكف يعكف، ويعكف بمعنى أقام على الشيء ولزمه، والمصدر منها عكوف. قيل هؤلاء القوم الذين آتاهم بنو إسرائيل هم من لخم كانوا نازلين بالرقة، كانت أصنامهم تماثيل بقر. وقيل كانوا من الكنعانيين { قَالُواْ } أي بنو إسرائيل عند مشاهدتهم لتلك التماثيل { يٰمُوسَى ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا } أي صنماً نعبده كائناً كالذي لهؤلاء القوم، فالكاف متعلق بمحذوف وقع صفة لـ { إلهاً } ، فأجاب عليهم موسى، و { قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } وصفهم بالجهل، لأنهم قد شاهدوا من آيات الله ما يزجر من له أدنى علم عن طلب عبادة غير الله. ولكن هؤلاء القوم، أعني بني إسرائيل، أشد خلق الله عناداً وجهلاً وتلوّناً.

السابقالتالي
2 3