الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } * { فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } * { فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ }

المراد بآل فرعون هنا قومه، والمراد بالسنين الجدب. وهذا معروف عند أهل اللغة. يقولون أصابتهم سنة أي جدب سنة، وفي الحديث " اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " ، وأكثر العرب يعربون السنين إعراب جمع المذكر السالم. ومن العرب من يعربه إعراب المفرد، ويجري الحركات على النون، وأنشد الفراء
أرى مرّ السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال   
بكسر النون من السنين. قال النحاس وأنشد سيبويه هذا البيت بفتح النون. أقول قد ورد ما لا احتمال فيه وهو قول الشاعر
وماذا تزدري الأقوام مني وقد جاوزت حدّ الأربعين   
وبعده
أخو الخمسين مجتمع أشدي وتجدبني مداورة السنين   
فإن الأبيات قبله وبعده مكسورة. وأوّل هذه الأبيات
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني   
وحكى الفراء عن بني عامر أنهم يقولون أقمت عنده سنيناً مصروفاً. قال وبنو تميم لا يصرفونه. ويقال أسنت القوم، أي أجدبوا، ومنه قول ابن الزبعري
ورجال مكة مسنتون عجاف   
{ وَنَقْصٍ مّن ٱلثَّمَرَاتِ } بسبب عدم نزول المطر، وكثرة العاهات { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } فيتعظون ويرجعون عن غوايتهم. قوله { فَإِذَا جَاءتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } أي الخصلة الحسنة من الخصب بكثرة المطر، وصلاح الثمرات، ورخاء الأسعار { قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } أي أعطيناها باستحقاق، وهي مختصة بنا { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } أي خصلة سيئة من الجدب والقحط، وكثرة الأمراض ونحوها من البلاء { يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } أي يتشاءموا بموسى ومن معه من المؤمنين به، والأصل يتطيروا أدغمت التاء في الطاء، وقرأ طلحة " تطيروا " على أنه فعل ماض. وقد كانت العرب تتطير بأشياء من الطيور والحيوانات، ثم استعمل بعد ذلك في كل من تشاءم بشيء. ومثل هذا قوله تعالىٱوَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } النساء 78 قيل ووجه تعريف الحسنة أنها كثيرة الوقوع، ووجه تنكير السيئة ندرة وقوعها. قوله { أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } أي سبب خيرهم وشرهم بجميع ما ينالهم من خصب وقحط، هو من عند الله، ليس بسبب موسى ومن معه. وكان هذا الجواب على نمط ما يعتقدونه وبما يفهمونه. ولهذا عبر بالطائر عن الخير والشر الذي يجري بقدر الله وحكمته ومشيئته { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } بهذا، بل ينسبون الخير والشر إلى غير الله جهلاً منهم. وقرأ الحسن «طيرهم». قوله { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن ءايَةٍ لّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } قال الخليل أصل { مهما } «ما» الشرطية زيدت عليه «ما» التي للتوكيد، كما تزاد في سائر الحروف مثل حيثما وأينما وكيفما ومتى ما. ولكنهم كرهوا اجتماع المثلين فأبدلوا ألف الأولى هاء.

السابقالتالي
2 3 4