الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } * { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } * { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } * { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } * { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ } * { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } * { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ } * { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } * { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } * { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } * { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } * { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }

لما فرغ سبحانه من ذكر حال الكفار، وتشبيه ابتلائهم بابتلاء أصحاب الجنة المذكورة، ذكر حال المتقين وما أعدّه لهم من الخير، فقال { إِنَّ لّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبّهِمْ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } أي المتقين ما يوجب سخطه من الكفر والمعاصي عنده عزّ وجلّ في الدار الآخرة جنات النعيم الخالص الذي لا يشوبه كدر، ولا ينغصه خوف زوال { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } الاستفهام للإنكار، وكان صناديد كفار قريش يرون وفور حظهم في الدنيا وقلة حظوظ المسلمين فيها، فلما سمعوا بذكر الآخرة، وما يعطي الله المسلمين فيها قالوا إن صح ما يزعمه محمد لم يكن حالنا وحالهم إلاّ مثل ما هي في الدنيا، فقال الله مكذباً لهم رادّاً عليهم { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } الآية، والفاء للعطف على مقدر كنظائره. ثم وبخهم الله، فقال { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } هذا الحكم الأعوج كأن أمر الجزاء مفوّض إليكم تحكمون فيه بما شئتم { أَمْ لَكُمْ كِتَـٰبٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } أي تقرءون فيه، فتجدون المطيع كالعاصي، ومثل هذا قوله تعالىأَمْ لَكُمْ سُلْطَـٰنٌ مُّبِينٌ * فَأْتُواْ بِكِتَـٰبِكُمْ } الصافات 56 ـ 57 ثم قال سبحانه { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } قرأ الجمهور بكسر إن على أنها معمولة لتدرسون أي تدرسون في الكتاب { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } فلما دخلت اللام كسرت الهمزة كقوله علمت إنك لعاقل بالكسر، أو على الحكاية للمدروس، كما في قولهوَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلأَخِرِينَ * سَلَـٰمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِى ٱلْعَـٰلَمِينَ } الصافات 78، 79. وقيل قد تمّ الكلام عند قوله { تَدْرُسُونَ } ثم ابتدأ فقال { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } أي ليس لكم ذلك، وقرأ طلحة بن مصرف، والضحاك " أن لكم " بفتح الهمزة على أن العامل فيه تدرسون مع زيادة لام التأكيد، ومعنى { تَخَيَّرُونَ } تختارون وتشتهون. ثم زاد سبحانه في التوبيخ فقال { أَمْ لَكُمْ أَيْمَـٰنٌ عَلَيْنَا بَـٰلِغَةٌ } أي عهود مؤكدة موثقة متناهية، والمعنى أم لكم أيمان على الله استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة، وقوله { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } متعلق بالمقدر في لكم أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة لا تخرج عن عهدتها حتى يحكمكم يومئذٍ، وجواب القسم قوله { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } لأن معنى { أَمْ لَكُمْ أَيْمَـٰنٌ } أي أم أقسمنا لكم. قال الرازي والمعنى أم ضمنا لكم، وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد. وقيل قد تمّ الكلام عند قوله { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ثم ابتدأ، فقال { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } أي ليس الأمر كذلك. قرأ الجمهور { بالغة } بالرفع على النعت لأيمان، وقرأ الحسن، وزيد بن عليّ بنصبها على الحال من أيمان لأنها قد تخصصت بالوصف، أو من الضمير في لكم أو من الضمير في علينا { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذٰلِكَ زَعِيمٌ } أي سل يا محمد الكفار موبخاً لهم ومقرّعاً، أيهم بذلك الحكم الخارج عن الصواب كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين فيها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6