الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } * { ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } * { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَٰطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ } * { وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } * { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } * { قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } * { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ }

قوله { تَبَارَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } تبارك تفاعل من البركة، والبركة النماء والزيادة. وقيل تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين. وقيل دام فهو الدائم الذي لا أوّل لوجوده، ولا آخر لدوامه. وقال الحسن تبارك تقدّس، وصيغة التفاعل للمبالغة، واليد مجاز عن القدرة والاستيلاء، والملك هو ملك السمٰوات والأرض في الدنيا والآخرة، فهو يعزّ من يشاء ويذل من يشاء، ويرفع من يشاء ويضع من يشاء، وقيل المراد بالملك ملك النبوّة، والأوّل أولى لأن الحمل على العموم أكثر مدحاً وأبلغ ثناء، ولا وجه للتخصيص { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } أي بليغ القدرة لا يعجزه شيء من الأشياء يتصرّف في ملكه كيف يريد من إنعام وانتقام، ورفع ووضع، وإعطاء ومنع. { ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ } الموت انقطاع تعلق الرّوح بالبدن ومفارقته له، والحياة تعلق الرّوح بالبدن واتصاله به. وقيل هي ما يصح بوجوده الإحساس. وقيل ما يوجب كون الشيء حياً. وقيل المراد الموت في الدنيا، والحياة في الآخرة. وقدّم الموت على الحياة لأن أصل الأشياء عدم الحياة، والحياة عارضة لها. وقيل لأن الموت أقرب إلى القهر. وقال مقاتل خلق الموت يعني النطفة، والمضغة والعلقة، والحياة يعني خلقه إنساناً، وخلق الروح فيه، وقيل خلق الموت على صورة كبش لا يمرّ على شيء إلاّ مات، وخلق الحياة على صورة فرس لا تمرّ بشيء إلاّ حيي، قاله مقاتل والكلبي. وقد ورد في التنزيلقُلْ يَتَوَفَّـٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكّلَ بِكُمْ } السجدة 11، وقولهوَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلَـئِكَةُ } الأنفال 50، وقولهتَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } الأنعام 61، وقولهٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } الزمر 42 وغير ذلك من الآيات { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } اللام متعلقة بخلق أي خلق الموت والحياة ليعاملكم معاملة من يختبركم أيكم أحسن عملاً، فيجازيكم على ذلك. وقيل المعنى ليبلوكم أيكم أكثر للموت ذكراً وأشدّ منه خوفاً، وقيل أيكم أسرع إلى طاعة الله، وأورع عن محارم الله. وقال الزجاج اللام متعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت. وقال الزجاج أيضاً، والفراء إن قوله { لِيَبْلُوَكُمْ } لم يقع على أيّ، لأن فيما بين البلوى وأيّ إضمار فعل، كما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع، ومثله قولهسَلْهُمْ أَيُّهُم بِذٰلِكَ زَعِيمٌ } القلم 40 أي سلهم ثم انظر أيهم، فأيكم في الآية مبتدأ، وخبره أحسن لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، وإيراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل لجميع أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبيح لا إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن المراد بالذات والمقصد الأصلي من الابتلاء هو ظهور كمال إحسان المحسنين { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي الغالب الذي لا يغالب { ٱلْغَفُورُ } لمن تاب وأناب. { ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ طِبَاقاً } الموصول يجوز أن يكون تابعاً للعزيز، الغفور نعتاً، أو بياناً، أو بدلاً، وأن يكون منقطعاً عنه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أو منصوب على المدح، و { طباقاً } صفة لسبع سمٰوات أي بعضها فوق بعض، وهو جمع طبق نحو جبل وجبال، أو جمع طبقة نحو رحبة ورحاب، أو مصدر طابق، يقال طابق مطابقة وطباقاً، ويكون على هذا الوجه الوصف بالمصدر للمبالغة، أو على حذف مضاف، أي ذات طباق، ويجوز أن يكون منتصباً على المصدرية بفعل محذوف، أي طوبقت طباقاً { مَّا تَرَىٰ فِى خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَـٰوُتٍ } هذه الجملة صفة ثانية لسبع سمٰوات، أو مستأنفة لتقرير ما قبلها، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له، و«من» مزيدة لتأكيد النفي.

السابقالتالي
2 3 4 5