الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِنْدَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ }

ضرب سبحانه مثلاً للمشرك والموحد لإيضاح حالهما وبيان مآلهما، فقال { أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ } والمكبّ والمنكبّ الساقط على وجهه، يقال كببته فأكبّ وانكبّ. وقيل هو الذي يكب رأسه، فلا ينظر يميناً ولا شمالاً ولا أماماً، فهو لا يأمن العثور والانكباب على وجهه. وقيل أراد به الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق، فلا يزال مشيه ينكسه على وجهه. قال قتادة هو الكافر يكبّ على معاصي الله في الدنيا فيحشره الله يوم القيامة على وجهه. والهمزة للاستفهام الإنكاري أي هل هذا الذي يمشي على وجهه أهدى إلى المقصد الذي يريده؟ { أَمَّن يَمْشِى سَوِيّاً } معتدلاً ناظراً إلى ما بين يديه { عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي على طريق مستوي لا اعوجاج به ولا انحراف فيه، وخبر «من» محذوف لدلالة خبر «من» الأولى، وهو أهدى عليه، وقيل لا حاجة إلى ذلك لأن «من» الثانية معطوفة على «من» الأولى عطف المفرد على المفرد، كقولك أزيد قائم أم عمرو؟ وقيل أراد بمن يمشي مكباً على وجهه من يحشر على وجهه إلى النار، ومن يمشي سوياً من يحشر على قدميه إلى الجنة، وهو كقول قتادة الذي ذكرناه، ومثله قولهوَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } الإسراء 97. { قُلْ هُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَكُمْ } أمر سبحانه رسوله أن يخبرهم بأن الله هو الذي أنشأهم النشأة الأولى { وَجَعَلَ } لهم { ٱلسَّمْعَ } ليسمعوا به { وَٱلأبْصَـٰرُ } ليبصروا بها، ووجه إفراد السمع مع جمع الأبصار أنه مصدر يطلق على القليل والكثير، وقد قدّمنا بيان هذا في مواضع مع زيادة في البيان { وَٱلأفْئِدَةَ } القلوب التي يتفكرون بها في مخلوقات الله، فذكر سبحانه ها هنا أنه قد جعل لهم ما يدركون به المسموعات والمبصرات والمعقولات إيضاحاً للحجة وقطعاً للمعذرة، وذماً لهم على عدم شكر نعم الله، ولهذا قال { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } وانتصاب قليلاً على أنه نعت مصدر محذوف، و«ما» مزيدة للتأكيد أي شكراً قليلاً أو زماناً قليلاً، وقيل أراد بقلة الشكر عدم وجوده منهم. قال مقاتل يعني أنكم لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه { قُلْ هُوَ ٱلَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى ٱلأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخبرهم أن الله هو الذي خلقهم في الأرض ونشرهم فيها وفرقهم على ظهرها، وأن حشرهم للجزاء إليه لا إلى غيره. ثم ذكر سبحانه أنهم يستعجلون العذاب فقال { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي متى هذا الوعد الذي تذكرونه لنا من الحشر والقيامة، والنار والعذاب إن كنتم صادقين في ذلك؟ والخطاب منهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولمن معه من المؤمنين، وجواب الشرط محذوف، والتقدير إن كنتم صادقين فأخبرونا به أو فبينوه لنا، وهذا منهم استهزاء وسخرية.

السابقالتالي
2 3