الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } * { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } * { ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } * { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } * { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } * { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ }

قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } لما فرغ سبحانه من ذكر أحوال أهل النار ذكر أهل الجنة، وبالغيب حال من الفاعل أو المفعول، أي غائبين عنه، أو غائباً عنهم، والمعنى أنهم يخشون عذابه، ولم يروه، فيؤمنون به خوفاً من عذابه، ويجوز أن يكون المعنى يخشون ربهم حال كونهم غائبين عن أعين الناس، وذلك في خلواتهم، أو المراد بالغيب كون العذاب غائباً عنهم لأنهم في الدنيا، وهو إنما يكون يوم القيامة، فتكون الباء على هذا سببية { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } عظيمة يغفر الله بها ذنوبهم { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } وهو الجنة، ومثل هذه الآية قولهمَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } ق 33. ثم عاد سبحانه إلى خطاب الكفار فقال { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ } هذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان تساوي الإسرار والجهر بالنسبة إلى علم الله سبحانه، والمعنى إن أخفيتم كلامكم أو جهرتم به في أمر رسول الله، فكلّ ذلك يعلمه الله لا تخفى عليه منه خافية، وجملة { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } تعليل للاستواء المذكور، وذات الصدور هي مضمرات القلوب. والاستفهام في قوله { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } للإنكار، والمعنى ألا يعلم السرّ، ومضمرات القلوب من خلق ذلك وأوجده، فالموصول عبارة عن الخالق، ويجوز أن يكون عبارة عن المخلوق، وفي يعلم ضمير يعود إلى الله، أي ألا يعلم الله المخلوق الذي هو من جملة خلقه، فإن الإسرار والجهر ومضمرات القلوب من جملة خلقه، وجملة { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } في محل نصب على الحال من فاعل يعلم، أي الذي لطف علمه بما في القلوب، الخبير بما تسرّه وتضمره من الأمور، لا تخفى عليه من ذلك خافية. ثم امتنّ سبحانه على عباده، فقال { هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } أي سهلة لينة تستقرّون عليها، ولم يجعلها خشنة بحيث يمتنع عليكم السكون فيها والمشي عليها، والذلول في الأصل هو المنقاد الذي يذلّ لك، ولا يستصعب عليك، والمصدر الذلّ، والفاء في قوله { فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا } لترتيب الأمر بالمشي على الجعل المذكور، والأمر للإباحة. قال مجاهد، والكلبي، ومقاتل مناكبها طرقها وأطرافها وجوانبها. وقال قتادة، وشهر بن حوشب مناكبها جبالها، وأصل المنكب الجانب، ومنه منكب الرجل، ومنه الريح النكباء لأنها تأتي من جانب دون جانب { وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ } أي مما رزقكم وخلقه لكم في الأرض { وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } أي وإليه البعث من قبوركم لا إلى غيره، وفي هذا وعيد شديد. ثم خوّف سبحانه الكفار فقال { ءامَنْتُمْ مَّن فِى ٱلسَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ } قال الواحدي قال المفسرون يعني عقوبة من في السماء، وقيل من في السماء قدرته، وسلطانه، وعرشه، وملائكته، وقيل من في السماء من الملائكة، وقيل المراد جبريل، ومعنى { أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلاْرْضَ } يقلعها ملتبسة بكم، كما فعل بقارون بعد ما جعلها لكم ذلولاً تمشون في مناكبها، وقوله { أَن يَخْسِفَ } بدل اشتمال من الموصول أي ءأمنتم خسفه، أو على حذف من أي من أن يخسف { فَإِذَا هِىَ تَمُورُ } أي تضطرب، وتتحرك على خلاف ما كانت عليه من السكون.

السابقالتالي
2 3