الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ } بفعل ما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه { وَأَهْلِيكُمْ } بأمرهم بطاعة الله، ونهيهم عن معاصيه { نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } أي ناراً عظيمة تتوقد بالناس وبالحجارة كما يتوقد غيرها بالحطب، وقد تقدّم بيان هذا في سورة البقرة. قال مقاتل بن سليمان المعنى قوا أنفسكم وأهليكم بالأدب الصالح النار في الآخرة. وقال قتادة، ومجاهد قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم. قال ابن جرير فعلينا أن نعلم أولادنا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب، ومن هذا قولهوَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا } طه 132 وقولهوَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأقْرَبِينَ } الشعراء 224. { عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ } أي على النار خزنة من الملائكة يلون أمرها وتعذيب أهلها، غلاظ على أهل النار شداد عليهم لا يرحمونهم إذا استرحموهم لأن الله سبحانه خلقهم من غضبه، وحبب إليهم تعذيب خلقه، وقيل المراد غلاظ القلوب شداد الأبدان، وقيل غلاظ الأقوال شداد الأفعال، وقيل الغلاظ ضخام الأجسام، والشداد الأقوياء { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ } أي لا يخافونه في أمره، و«ما» في { مَا أَمَرَهُمْ } يجوز أن تكون موصولة، والعائد محذوف، أي لا يعصون الله الذي أمرهم به، ويجوز أن تكون مصدرية، أي لا يعصون الله أمره على أن يكون ما أمرهم بدل اشتمال من الاسم الشريف، أو على تقدير نزع الخافض، أي لا يعصون الله في أمره { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } أي يؤدّونه في وقته من غير تراخ لا يؤخرونه عنه ولا يقدّمونه. { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ } أي يقال لهم هذا القول عند إدخالهم النار تأييساً لهم وقطعاً لأطماعهم { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } من الأعمال في الدنيا، ومثل هذا قولهفَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } الروم 57. { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } أي تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب عنه، وصفت بذلك على الإسناد المجازي، وهو في الأصل وصف للتائبين أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم بالعزم على الترك للذنب، وترك المعاودة له. والتوبة فرض على الأعيان. قال قتادة التوبة النصوح الصادقة، وقيل الخالصة. وقال الحسن التوبة النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره. وقال الكلبي التوبة النصوح الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع بالبدن، والاطمئنان على أن لا يعود. وقال سعيد بن جبير هي التوبة المقبولة. قرأ الجمهور { نصوحاً } بفتح النون على الوصف للتوبة، أي توبة بالغة في النصح، وقرأ الحسن، وخارجة، وأبو بكر عن عاصم بضمها، أي توبة نصح لأنفسكم، ويجوز أن يكون جمع ناصح، وأن يكون مصدراً يقال نصح نصاحة ونصوحاً.

السابقالتالي
2