الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ } * { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ }

قوله { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } أي بالسيف والحجة، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية في سورة براءة { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } أي شدّد عليهم في الدعوة، واستعمل الخشونة في أمرهم بالشرائع. قال الحسن أي جاهدهم بإقامة الحدود عليهم، فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } أي مصيرهم إليها، يعني الكفار والمنافقين { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي المرجع الذي يرجعون إليه. { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } قد تقدّم غير مرّة أن المثل قد يراد به إيراد حالة غريبة يعرف بها حالة أخرى مماثلة لها في الغرابة، أي جعل الله مثلاً لحال هؤلاء الكفرة، وأنه لا يغني أحد عن أحد { ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ } هذا هو المفعول الأوّل، و { مثلاً } المفعول الثاني حسبما قدّمنا تحقيقه، وإنما أخر ليتصل به ما هو تفسير له، وإيضاح لمعناه { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَـٰلِحَيْنِ } وهما نوح ولوط، أي كانتا في عصمة نكاحهما { فَخَانَتَاهُمَا } أي فوقعت منهما الخيانة لهما. قال عكرمة، والضحاك بالكفر، وقيل كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون، وكانت امرأة لوط تخبر قومه بأضيافه، وقد وقع الإجماع على أنه ما زنت امرأة نبيّ قطّ. وقيل كانت خيانتهما النفاق، وقيل خانتاهما بالنميمة { فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي فلم ينفعهما نوح ولوط بسبب كونهما زوجتين لهما شيئًا من النفع، ولا دفعا عنهما من عذاب الله مع كرامتهما على الله شيئًا من الدفع { وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدخِلِينَ } أي وقيل لهما في الآخرة، أو عند موتهما ادخلا النار مع الداخلين لها من أهل الكفر والمعاصي. وقال يحيى بن سلام ضرب الله مثلاً للذين كفروا يحذر به عائشة وحفصة من المخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين تظاهرتا عليه. وما أحسن من قال فإن ذكر امرأتي النبيين بعد ذكر قصتهما ومظاهرتهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرشد أتمّ إرشاد، ويلوّح أبلغ تلويح إلى أن المراد تخويفهما مع سائر أمهات المؤمنين، وبيان أنهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله وخاتم رسله، فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئًا، وقد عصمهما الله عن ذنب تلك المظاهرة بما وقع منهما من التوبة الصحيحة الخالصة. { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ امرأة فِرْعَوْنَ } الكلام في هذا كالكلام في المثل الذي قبله أي جعل الله حال امرأة فرعون مثلاً لحال المؤمنين ترغيباً لهم في الثبات على الطاعة والتمسك بالدين، والصبر في الشدّة، وأن صولة الكفر لا تضرّهم، كما لم تضر امرأة فرعون، وقد كانت تحت أكفر الكافرين، وصارت بإيمانها بالله في جنات النعيم { إِذْ قَالَتْ رَبّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى ٱلْجَنَّةِ } الظرف متعلق بضرب، أو بمثلاً، أي ابن لي بيتاً قريباً من رحمتك، أو في أعلى درجات المقربين منك، أو في مكان لا يتصرّف فيه إلاّ بإذنك، وهو الجنة { وَنَجّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ } أي من ذاته وما يصدر عنه من أعمال الشرّ { وَنَجّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } قال الكلبي هم أهل مصر.

السابقالتالي
2 3