الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } * { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } * { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } * { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } * { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }

قوله { يأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاء } نادى النبيّ صلى الله عليه وسلم أوّلاً تشريفاً له، ثم خاطبه مع أمته، أو الخطاب له خاصة، والجمع للتعظيم، وأمته أسوته في ذلك، والمعنى إذا أردتم تطليقهن وعزمتم عليه { فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي مستقبلات لعدتهنّ، أو في قبل عدتهنّ، أو لقبل عدتهنّ. وقال الجرجاني إن اللام في { لعدتهنّ } بمعنى في، أي في عدتهنّ. وقال أبو حيان هو على حذف مضاف أي لاستقبال عدتهنّ، واللام للتوقيت نحو لقيته لليلة بقيت من شهر كذا، والمراد أن يطلقوهنّ في طهر لم يقع فيه جماع، ثم يتركن حتى تنقضي عدتهنّ، فإذا طلقوهنّ هكذا، فقد طلقوهنّ لعدتهنّ، وسيأتي بيان هذا من السنة في آخر البحث إن شاء الله { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } أي احفظوها، واحفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق حتى تتمّ العدّة، وهي ثلاثة قروء، والخطاب للأزواج، وقيل للزوجات، وقيل للمسلمين على العموم، والأول أولى لأن الضمائر كلها لهم { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ } فلا تعصوه فيما أمركم ولا تضارّوهن { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } أي التي كنّ فيها عند الطلاق ما دمن في العدّة، وأضاف البيوت إليهنّ وهي لأزواجهنّ لتأكيد النهي، وبيان كمال استحقاقهنّ للسكنى في مدّة العدّة، ومثله قولهوَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِى بُيُوتِكُـنَّ } الأحزاب 34 وقولهوَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ } الأحزاب 33 ثم لما نهى الأزواج عن إخراجهنّ من البيوت التي وقع الطلاق وهنّ فيها نهى الزوجات عن الخروج أيضاً فقال { وَلاَ يَخْرُجْنَ } أي لا يخرجن من تلك البيوت ما دمن في العدّة إلاّ لأمر ضروري، كما سيأتي بيان ذلك، وقيل المراد لا يخرجن من أنفسهن إلاّ إذا أذن لهنّ الأزواج، فلا بأس، والأوّل أولى { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ } هذا الاستثناء هو من الجملة الأولى، أي لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ، لا من الجملة الثانية. قال الواحدي أكثر المفسرين على أن المراد بالفاحشة هنا الزنا، وذلك أن تزني، فتخرج لإقامة الحدّ عليها. وقال الشافعي وغيره هي البذاء في اللسان، والاستطالة بها على من هو ساكن معها في ذلك البيت، ويؤيد هذا ما قال عكرمة إن في مصحف أبيّ إلاّ أن يفحشن عليكم وقيل المعنى إلاّ أن يخرجن تعدّياً، فإن خروجهنّ على هذا الوجه فاحشة، وهو بعيد. والإشارة بقوله { وَتِلْكَ } إلى ما ذكر من الأحكام وهو مبتدأ، وخبره { حُدُودَ ٱللَّهِ } والمعنى أن هذه الأحكام التي بينها لعباده هي حدوده التي حدّها لهم لا يحل لهم أن يتجاوزوها إلى غيرها { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ } أي يتجاوزها إلى غيرها، أو يخلّ بشيء منها { فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } بإيرادها مورد الهلاك، وأوقعها في مواقع الضرر بعقوبة الله له على مجاوزته لحدوده وتعديه لرسمه، وجملة { لا تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } مستأنفة لتقرير مضمون ما قبلها وتعليله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7