الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } * { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } * { رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }

لما ذكر سبحانه ما تقدّم من الأحكام، حذّر من مخالفتها، وذكر عتوّ قوم خالفوا أوامره، فحلّ بهم عذابه، فقال { وَكَأِيّن مّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبّهَا وَرُسُلِهِ } يعني عصت، والمراد أهلها، والمعنى وكم من أهل قرية عصوا أمر الله ورسله، أو أعرضوا عن أمر الله ورسله على تضمين { عتت } معنى أعرضت، وقد قدّمنا الكلام في { كأين } في سورة آل عمران وغيرها { فَحَاسَبْنَـٰهَا حِسَاباً شَدِيداً } أي شددنا على أهلها في الحساب بما عملوا. قال مقاتل حاسبها الله بعملها في الدنيا فجازها بالعذاب، وهو معنى قوله { وَعَذَّبْنَـٰهَا عَذَاباً نُّكْراً } أي عذبنا أهلها عذاباً عظيماً منكراً في الآخرة، وقيل في الكلام تقديم وتأخير، أي عذبنا أهلها عذاباً نكراً في الدنيا بالجوع والقحط، والسيف والخسف والمسخ، وحاسبناهم في الآخرة حساباً شديداً. والنكر المنكر { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا } أي عاقبة كفرها { وَكَانَ عَـٰقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } أي هلاكاً في الدنيا وعذاباً في الآخرة. { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } في الآخرة، وهو عذاب النار، والتكرير للتأكيد { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِى ٱلألْبَـٰبِ } أي يا أولي العقول الراجحة، وقوله { ٱلَّذِينَ آمنوا } في محل نصب بتقدير أعني بياناً للمنادى بقوله { يأُوْلِي ٱلألْبَـٰبِ } أو عطف بيان له أو نعت { قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً } قال الزجاج إنزال الذكر دليل على إضمار أرسل، أي أنزل إليكم قرآناً، وأرسل إليكم رسولاً، وقال أبو عليّ الفارسي إن رسولاً منصوب بالمصدر، وهو ذكراً لأن المصدر المنوّن يعمل. والمعنى أنزل إليكم ذكر الرسول. وقيل إن { رسولاً } بدل من { ذكراً } وكأنه جعل الرسول نفس الذكر مبالغة، وقيل إنه بدل منه على حذف مضاف من الأوّل تقديره أنزل ذا ذكر رسولاً، أو صاحب ذكر رسولاً. وقيل إن رسولاً نعت على حذف مضاف أي ذكراً ذا رسول، فذا رسول نعت للذكر. وقيل إن رسولاً بمعنى رسالة، فيكون رسولاً بدلاً صريحاً من غير تأويل، أو بياناً. وقيل إن { رسولاً } منتصب على الإغراء، كأنه قال الزموا رسولاً، وقيل إن الذكر ها هنا بمعنى الشرف كقولهلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَـٰباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } الأنبياء 10 وقولهوَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } الزخرف 44. ثم بيّن هذا الشرف فقال { رَسُولاً } وقد ذهب الأكثر إلى أن المراد بالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم. وقال الكلبي هو جبريل، والمراد بالذكر القرآن، ويختلف المعنى باختلاف وجوه الإعراب السابقة، كما لا يخفى. ثم نعت سبحانه الرسول صلى الله عليه وسلم المذكور بقوله { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيات ٱللَّهِ مُبَيّنَـٰتٍ } أي حال كونها مبينات، قرأ الجمهور { مبينات } على صيغة اسم المفعول، أي بيّنها الله وأوضحها، وقرأ ابن عامر، وحفص، وحمزة، والكسائي على صيغة اسم الفاعل أي الآيات تبيّن للناس ما يحتاجون إليه من الأحكام.

السابقالتالي
2 3